النظر في الصانع وذاته وجميع صفاته وأفعاله وأمره وحكمه وقضائه وترتب ظهور الموجودات عنه ، ثم النظر في العلويات والجواهر المفردة والعقول المفارقة والنفوس الكاملة ، ثم النظر في أحوال الملائكة والشياطين ، وينتهي إلى علم النبوات وأمر المعجزات وأحوال الكرامات ، والنظر في أحوال النفوس المقدسة وحال النوم واليقظة ومقامات الرؤيا ، ومن فروعه علم الطلسمات والنيرنجات وما يتعلّق بها ، ولهذه العلوم تفاصيل وأعراض ومراتب ، تحتاج إلى شرح جلي ببرهان بهي ولكن الاقتصار أولى.
فصل في علم الصوفية
اعلم أن العلم العقلي مفرد بذاته ويتولّد منه علم مركب يوجد فيه جميع أحوال العلمين المفردين ، وذلك العلم المركب علم الصوفية ، وطريقة أحوالهم ، فإن لهم علما خاصا بطريقة واضحة مجموعة من العلمين وعلمهم يشتمل على الحال ، والوقت والسماع ، والوجد والشوق ، والسكر والصحو ، والإثبات ، والمحو ، والفقر ، والفناء ، والولاية ، والإرادة ، والشيخ ، والمريد ، وما يتعلق بأحوالهم مع الزوائد والأوصاف والمقامات. ونحن نتكلم في هذه العلوم الثلاثة في كتاب خاص إن شاء الله تعالى ، والآن ليس قصدنا إلا تعديد العلوم وأصنافها في هذه الرسالة ، وقد اختصرناها وعددناها على طريق الاختصار والإيجاز ، ومن أراد الزيادة وشرح هذه العلوم فليرجع إلى مطالعة الكتب ، ولما انتهى الكلام في بيان تعديد أصناف العلوم ، فاعلم أنت يقينا أن كل فن من هذه الفنون ، وكل علم من هذه العلوم ، يستدعي عدة شرائط لينتقش في نفوس الطالبين ، فبعد تعديد العلوم يجب عليك أن تعرف طرق التحصيل فإن لتحصيل العلم طرقا معينة نحن نفصلها (إن شاء الله).
فصل في بيان التحصيل للعلوم
اعلم أن العلم الإنساني يحصل من طريقين ، أحدهما : التعليم الإنساني ، والثاني : التعليم الرباني.
أما الطريق الأول : فطريق معهود ، ومسلك محسوس ، يقرّ به جميع العقلاء ، وأما التعليم الرباني فيكون على وجهين ، أحدهما : من خارج وهو التحصيل بالتعلم ، والآخر : من داخل وهو الاشتغال بالتفكر ، والتفكر من الباطن بمنزلة التعلم في الظاهر ، فإن التعلم استفادة الشخص من الشخص الجزئي ، والتفكر استفادة النفس من النفس الكلي ، والنفس الكلي أشد تأثيرا وأقوى تعليما من جميع العلماء والعقلاء ، والعلوم مركوزة في أصل النفوس بالقوة كالبذر في الأرض ، والجوهر في قعر البحر ، أو في قلب المعدن ، والتعلم هو طلب خروج ذلك الشيء من القوة إلى الفعل. والتعليم هو إخراجه من القوة إلى الفعل ، فنفس المتعلم تتشبه بنفس المعلم وتتقرب إليه بالنسبة ، فالعالم بالإفادة كالزارع والمتعلم بالاستفادة كالأرض. والعلم الذي هو بالقوة كالبذر ، والذي بالفعل كالنبات فإذا كملت نفس المتعلم تكون كالشجرة