إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

مجموعه رسائل الإمام الغزالي

مجموعه رسائل الإمام الغزالي

مجموعه رسائل الإمام الغزالي

المؤلف :أبو حامد الغزالي

الموضوع :العقائد والكلام

الناشر :دار الفكر

الصفحات :586

تحمیل

مجموعه رسائل الإمام الغزالي

170/586
*

يا ولدي : ورد في وصايا لقمان أنه قال لابنه : «يا بني لا يكونن الديك أكيس منك ينادي بالأسحار وأنت نائم». وما أجمل وأليق من قول القائل حيث قال :

لقد هتفت في جنح ليل حمامة

على فنن وهنا وإني لنائم

كذبت وبيت الله لو كنت عاشقا

لما سبقتني بالبكاء الحمائم

وأزعم أني هائم ذو صبابة

لربّي ولا أبكي وتبكي البهائم

يا ولدي : (خلاصة النصيحة) أن تعلم حقيقة الطاعة والعبادة ما هي؟ العبادة هي متابعة الشارع صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الأوامر والنواهي ، فإن فعلت فعلا ولست بمأمور به فليس بعبادة ، وإن كان ذلك الفعل في صورة العبادة بل قد يكون عصيانا وإن كان صوما وصلاة. ألا ترى أنه إذا صام شخص يوم العيدين وأيام التشريق يكون عاصيا ، وإن كان ما فعله في صورة العبادة لأنه لم يؤمن به ، وكذا من صلى في الأوقات المكروهة أو في المواضع المغصوبة يكون آثما.

واعلم أنه إذا مزح شخص مع محرمه فإنه مأجور وإن كان ذلك في صورة لعب ، لأن هذا اللعب مأمور به ، وبذا صار معلوما أن العبادة الحقيقية هي امتثال الأمر لا مجرد الصلاة والصوم ، لأن الصلاة والصوم لا يكونان عبادة إلا إذا كان مأمورا بهما.

يا ولدي : فليكن جميع أحوالك وأقوالك مأمورا به موافقا للشريعة ، لأن علم وعمل المخلوقات بغير فتوى المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ضلالة وسبب للبعد عن الله تعالى ، ولهذا نسخ المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وسلم الأعمال السابقة فلا تحرك لسانك بكلمة تكون غير مأمور بها. وكن متيقنا أن طريق الله تعالى لا تقدر أن تصل إليه بغير ما لم تأمر به ولا تصل إليه أيضا بالشطحات والترهات الصوفيّة ترسما ، بل لا تصل إلى هذا الطريق إلا بقطع الهوى والشهوة وحظوظ النفس بسيف المجاهدات ولا بوثبات الشطحات والترهات ، فإن زعمت الوصول اغترارا منك بما تبديه من الكلام الرقيق وصفاء الأيام والأوقات وصلافة اللسان مع تعلق القلب بالشهوات والغفلة كان ذلك علامة على الشقاء والوبال ، وإذا لم تقهر الهوى والنفس بالمجاهدات وتصيرها تحت الشرع لم يكن القلب حيا بنور المعرفة.

يا ولدي : سئلت أسئلة بعضها لا يكيف بالقول ولا بالكتابة لأنه ذوقي ، وكل ما كان ذوقيا لا يكيف بالقول ولا بالكتابة فلا تعلمه إلا إذا وصلت إليه ، وما مثلك في ذلك إلا كمثل من جهل الحلاوة أو المرارة مثلا وأراد أن يكفيه بمجرد القول والكتابة فلا يقدر البتة.

يا ولدي : إن كتب عنين لأحد عرف لذة الجماع يسأله عن لذة الجماع كتب إليه في جوابه : إن هذا ذوقي لا تعرفه إلا إذا وصلت إليه وإلا فلا يكيف بالقول والكتابة.

يا ولدي : بعض أسئلتك من هذا القبيل. وأما القدر الذي يكيف بالقول والكتابة فقد بينته في كتابنا «إحياء العلوم» وغيره من التصانيف فاطلبه هناك ، وأما هنا فما قلنا على طريقة