وأقل ما في الباب
أنه يشغل قلبك ويضيع عليك وقتك ويكثر عليك همك.
والرابع : القسوة
في القلب والنسيان للآخرة ، لأنك إذا أملت العيش الطويل لا تذكر الآخرة بل لا تذكر
الموت ولا القبر ، فإذا يصير فكرك في الدنيا فيقسو قلبك من ذلك كما قال الله تعالى
(فَطالَ
عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ) [الحديد : ١٦].
وإنما رقة القلب وصفوه بذكر الموت والقبر وأحوال الآخرة.
وأما حد طول الأمل
، فقال العلماء : هو إرادة الحياة للوقت المتراخي بالحكم ، وقصر الأمل ترك الحكم
فيه بقيده بالاستثناء بمشيئة الله تعالى وعلمه في الذكر أو بشرط إصلاح في الإرادة.
فإذا ذكرت حياتك بأنك تعيش بعد نفس أو ساعة ثانية بالحكم والقطع فأنت آمل وذلك منك
معصية إذ هو حكم على الغيب ، فإن قيدته بالمشيئة والعلم لله تعالى بأن تقول : أعيش
إن شاء الله تعالى ، فقد خرجت عن حكم الأمل ووصفت بقصر الأمل من حيث تركت الحكم
فيه ، والمراد بالذكر ذكر القلب ثم المراد منه توطين القلب على ذلك والتثبيت للقلب
عليه ، فافهمه راشدا ، ثم الأمل ضربان : أمل العامة وأمل الخاصة. فأمل العامة : هو
أن يريد البقاء لجمع الدنيا والتمتع بها. فهذه معصية وضدها قصر الأمل. وأمل الخاصة
: هو أن يريد البقاء لإتمام عمل خير فيه خطر ، وهو ما لا يستيقن الصلاح له فيه.
فإنه ربما يكون خير معين لا يكون للعبد فيه أو في إتمامه صلاح بل يقع في أنه لا
يقوم بهذا الخير ، فإذا ليس للعبد ابتداء في صلاة أو صوم أو غيرهما أن يحكم بأن
يتمه إذ هو غيب ولا أن يقصد ذلك قطعا ، بل يقيده بالاستثناء وشرط الصلاح ليتخلص من
عيب الأمل وضد هذا الأمل فيما قال العلماء : النية المحمودة لأن الناوي بالنية
المحمودة يكون ممتنعا من الأمل فهذا حكمه ، وأما النية المحمودة : فهي الأصل
الأصيل وقد ذكروا في حدها الجامع التام أنها إرادة أخذ عمل مبتدأ به قبل سائر
الأعمال بالحكم مع إرادة إتمامه بالتفويض والاستثناء.
فإن قيل : لم جاز
الحكم في الابتداء ووجب التفويض والاستثناء في الإتمام؟ فيقال : لفقد الخطر في
الابتداء إذ هو حال الابتداء ليس بشيء متراخ عنك ولثبوت الخطر في الإتمام ، لأنه
يقع في وقت متراخ ، ففيه خطران : خطر الوصول لأنك لا تدري هل لك في ذلك صلاح أم
لا. فإذا حصلت الإرادة على هذه الشروط تكون حينئذ نيه محمودة مخرجة عن حكم الأمل
وآفاته ، والله تعالى أعلم.
واعلم أن حصن
تقصير الأمل هو ذكر هجوم الموت وأخذه على غفلة وغرة فاحتفظ بهذه الجملة فإن الحاجة
ماسة إليها ودع عنك القيل والقال من غير طائل والله الموفق. وأما الاستعجال والترقي
: فإنه الخصلة المفوتة للمقاصد الموقعة في المعاصي.
واعلم أن أصل
العبادة وملاكها الورع والورع أصله النظر البالغ في كل شيء والبحث التام عند كل
شيء هو بصدده من أكل وشرب ولبس وكلام وفعل. فإذا كان الرجل مستعجلا في الأمور غير