الباب الحادي والعشرون
في بيان ما يجب رعايته من حقوق الله تعالى وهو ضربان
الأول : فعل الواجبات.
والثاني : ترك المحرمات ففعل كل واجب تقوى وترك كل محرم تقوى فمن أتى بخصلة منها فقد وفى نفسه بها ما رتب على تركها من شر الدنيا والآخرة مع ما يحصل له من نعيم الجنان ورضا الرحمن.
واعلم : أنه لا يتقرب إلى الله تعالى إلا بطاعته وطاعته فعل واجب أو مندوب وترك محرم أو مكروه. فمن تقواه تقديم ما قدم الله تعالى من الواجبات على المندوبات ، وتقديم ما قدمه من اجتناب المحارم المحرمات على ترك المكروهات ، بخلاف ما يفعله الجاهلون الذين يظنون أنهم إلى الله متقربون وهم منه متباعدون فيضع أحدهم الواجبات حفظا للمندوبات ، ويرتكب المحرمات تصونا على ترك المكروهات. فكم من مقيم على صور الطاعات مع انطواء قلبه على الرياء والغل والحسد والكبر والإعجاب بالعمل والإدلال على الله تعالى بالطاعات ، والتقوى قسمان أحدهما متعلق بالقلوب وهو قسمان :
الأول : واجب كإخلاص العمل والإيمان.
والثاني : محرم كالرياء وتعظيم الأوثان. والثاني منها : متعلق بالأعضاء الظاهرة كنظر العين وبطش الأيدي ومشي الأرجل ونطق اللسان. واعلم أنه إذا صحت التقوى أثمر الورع والورع ترك ما لا بأس به خوفا من الوقوع فيما به بأس ، والله تعالى أعلم.
فصل
اعلم : أن خيرات الدنيا والآخرة قد جمعت تحت خصلة واحدة وهي التقوى ، وتأمل ما في القرآن من ذكرها كم علق بها من خير وكم وعد عليها من ثواب وكم أضاف إليها من سعادة. ثم اعلم أن الذي يختص به هذا الشأن من أمر العبادة ثلاثة أصول :
الأول : التوفيق والتأييد أولا حتى تعمل وهو للمتقين ، كما قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا).
والثاني : إصلاح العمل وإتمام التقصير حتى يتم وهو للمتقين ، كما قال الله تعالى : (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ) [الأحزاب : ٧١].
والثالث : قبول العمل إذا تم وهو للمتقين ، كما قال الله تعالى : (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة : ٢٧]. ومدار العبادة على هذه الأصول الثلاثة التوفيق والإصلاح والقبول. وقد وعد الله تعالى ذلك كله على التقوى وأكرم به المتقي سأل أو لم يسأل فالتقوى هي الغاية