وقوله : (إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ) أي إن في هذا القرآن الذي أنزلناه على عبدنا محمد صلىاللهعليهوسلم لبلاغا : لمنفعة وكفاية لقوم عابدين ، وهم الذين عبدوا الله بما شرعه وأحبه ورضيه ، وآثروا طاعة الله على طاعة الشيطان ، وشهوات أنفسهم.
وقوله : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) يخبر تعالى أن الله جعل محمداصلىاللهعليهوسلم رحمة للعالمين أي أرسله رحمة لهم كلهم فمن قبل هذه الرحمة وشكر هذه النعمة سعد في الدنيا والآخرة ومن ردها وجحدها خسر في الدنيا والآخرة كما قال تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ) [إبراهيم : ٢٨ ـ ٢٩] وقال تعالى في صفة القرآن : (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) [فصلت : ٤٤] وقال مسلم في صحيحه حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا مروان الفزاري عن يزيد بن كيسان عن ابن أبي حازم عن أبي هريرة قال : قيل يا رسول الله ادع على المشركين. قال «إني لم أبعث لعانا ، وإنما بعثت رحمة» انفرد بإخراجه مسلم (١). وفي الحديث الآخر «إنما أنا رحمة مهداة» (٢) رواه عبد الله بن أبي عوانة وغيره عن وكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا. قال إبراهيم الحربي. وقد رواه غيره عن وكيع فلم يذكر أبا هريرة. وكذا قال البخاري وقد سئل عن هذا الحديث ، فقال : كان عند حفص بن غياث مرسلا.
قال الحافظ ابن عساكر : وقد رواه مالك بن سعيد الخمس عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا ، ثم ساقه من طريق أبي بكر بن المقرئ وأبي أحمد الحاكم ، كلاهما عن بكر بن محمد بن إبراهيم الصوفي ، حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري عن أبي أسامة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنما أنا رحمة مهداة» ثم أورده من طريق الصلت بن مسعود عن سفيان بن عيينة عن مسعر عن سعيد بن خالد ، عن رجل عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله بعثني رحمة مهداة بعثت برفع قوم وخفض آخرين».
قال أبو القاسم الطبراني : حدثنا أحمد بن محمد بن نافع الطحان ، حدثنا أحمد بن صالح قال : وجدت كتابا بالمدينة عن عبد العزيز الدراوردي وإبراهيم بن محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف ، عن محمد بن صالح التمار عن ابن شهاب ، عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال : قال أبو جهل حين قدم مكة منصرفه عن حمزة : يا معشر قريش إن محمدا نزل يثرب وأرسل طلائعه ، وإنما يريد أن يصيب منكم شيئا ، فاحذروا أن تمروا طريقه
__________________
(١) كتاب البر حديث ٨٧.
(٢) أخرجه الدارمي في المقدمة باب ٣.