متلقى من أهل الكتاب ، وقد قال تعالى : (فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً) أي سهلا هينا ، فإن الأمر في معرفة ذلك لا يترتب عليه كبير فائدة (وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً) أي فإنهم لا علم لهم بذلك إلا ما يقولونه من تلقاء أنفسهم رجما بالغيب ، أي من غير استناد إلى كلام معصوم ، وقد جاءك الله يا محمد بالحق الذي لا شك فيه ولا مرية فيه ، فهو المقدم الحاكم على كل ما تقدمه من الكتب والأقوال.
(وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣) إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً) (٢٤)
هذا إرشاد من الله تعالى لرسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى الأدب فيما إذا عزم على شيء ليفعله في المستقبل أن يرد ذلك إلى مشيئة الله عزوجل ، علام الغيوب الذي يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون ، كما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «قال سليمان بن داود عليهماالسلام : لأطوفن الليلة على سبعين امرأة ـ وفي رواية : تسعين امرأة ، وفي رواية : مائة امرأة ـ تلد كل امرأة منهن غلاما يقاتل في سبيل الله ، فقيل له ـ وفي رواية قال له الملك : قل إن شاء الله ، فلم يقل ، فطاف بهم فلم يلد منهن إلا امرأة واحدة نصف إنسان ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ والذي نفسي بيده ، لو قال إن شاء الله لم يحنث ، وكان دركا لحاجته» وفي رواية «ولقاتلوا في سبيل الله فرسانا أجمعين» (١) وقد تقدم في أول السورة ذكر سبب نزول هذه الآية في قول النبي صلىاللهعليهوسلم لما سئل عن قصة أصحاب الكهف «غدا أجيبكم» فتأخر الوحي خمسة عشر يوما ، وقد ذكرناه بطوله في أول السورة ، فأغنى عن إعادته.
وقوله : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) قيل معناه إذا نسيت الاستثناء ، فاستثن عند ذكرك له ، قاله أبو العالية والحسن البصري ، وقال هشيم عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس في الرجل يحلف قال : له أن يستثني ولو إلى سنة ، وكان يقول : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) ذلك ، قيل للأعمش : سمعته عن مجاهد؟ فقال : حدثني به ليث بن أبي سليم يرى ذهب كسائي هذا ، ورواه الطبراني من حديث أبي معاوية عن الأعمش به. ومعنى قول ابن عباس أنه يستثني ولو بعد سنة ، أي إذا نسي أن يقول في حلفه أو في كلامه إن شاء الله؟؟؟ وذكر ولو بعد سنة ، فالسنة له أن يقول ذلك ، ليكون آتيا بسنة الاستثناء حتى ولو كان بعد الحنث ، قاله ابن جرير رحمهالله ، ونص على ذلك لا أن يكون رافعا لحنث اليمين ومسقطا للكفارة ، وهذا الذي قاله ابن جرير رحمهالله هو الصحيح ، وهو الأليق بحمل كلام ابن عباس عليه ، والله أعلم.
وقال عكرمة (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) إذا غضبت وهذا تفسير باللازم. وقال الطبراني:
__________________
(١) أخرجه البخاري في الأيمان باب ٣ ، والكفارات باب ٩ ، ومسلم في الإيمان حديث ٢٣ ، ٢٤.