وأما مقدار سن الأضحية فقد روى مسلم عن جابر أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لا تذبحوا إلا مسنة ، إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن» (١) ومن هاهنا ذهب الزهري إلى أن الجذع لا يجزئ ، وقابله الأوزاعي فذهب إلى أن الجذع يجزئ من كل جنس ، وهما غريبان. والذي عليه الجمهور إنما يجزئ الثني من الإبل والبقر والمعز ، أو الجذع من الضأن ، فأما الثني من الإبل فهو الذي له خمس سنين ودخل في السادسة ، ومن البقر ما له سنتان ودخل في الثالثة ، وقيل ما له ثلاث ودخل في الرابعة ، ومن المعز ما له سنتان ، وأما الجذع من الضأن فقيل ما له سنة ، وقيل عشرة أشهر ، وقيل ثمانية ، وقيل ستة أشهر ، وهو أقل ما قيل في سنه ، وما دونه فهو حمل ، والفرق بينهما أن الحمل شعر ظهره قائم. والجذع شعر ظهره نائم. قد انفرق صدعين والله أعلم.
(إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) (٣٨)
يخبر تعالى أنه يدفع عن عباده الذين توكلوا عليه وأنابوا إليه شر الأشرار وكيد الفجار ويحفظهم ويكلؤهم وينصرهم ، كما قال تعالى : (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) [الزمر : ٣٦] وقال : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) [الطلاق : ٣] وقوله : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) أي لا يحب من عباده من اتصف بهذا ، وهو الخيانة في العهود والمواثيق لا يفي بما قال ، والكفر الجحد للنعم ، فلا يعترف بها.
(أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (٤٠)
قال العوفي عن ابن عباس : نزلت في محمد وأصحابه حين أخرجوا من مكة (٢). وقال مجاهد والضحاك ، وغير واحد من السلف كابن عباس ومجاهد وعروة بن الزبير وزيد بن أسلم ومقاتل بن حيان وقتادة وغيرهم : هذه أول آية نزلت في الجهاد ، واستدل بهذه الآية بعضهم على أن السورة مدنية. وقال ابن جرير (٣) : حدثني يحيى بن داود الواسطي ، حدثنا إسحاق بن يوسف عن سفيان عن الأعمش عن مسلم هو البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : لما أخرج النبي صلىاللهعليهوسلم من مكة قال أبو بكر : أخرجوا نبيهم إنا لله وإنا إليه راجعون ليهلكن. قال ابن عباس : فأنزل الله عزوجل (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) قال
__________________
(١) أخرجه مسلم في الأضاحي حديث ١٣.
(٢) انظر تفسير الطبري ٩ / ١٦١.
(٣) تفسير الطبري ٩ / ١٦١.