فيه نظر ، لأن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد» (١) يحذر ما فعلوا ، وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه لما وجد قبر دانيال في زمانه بالعراق ، أمر أن يخفى عن الناس ، وأن تدفن تلك الرقعة التي وجدوها عنده ، فيها شيء من الملاحم وغيرها.
(سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً) (٢٢)
يقول تعالى مخبرا عن اختلاف الناس في عدة أصحاب الكهف ، فحكى ثلاثة أقوال ، فدل على أنه لا قائل برابع ، ولما ضعف القولين الأولين بقوله : (رَجْماً بِالْغَيْبِ) أي قولا بلا علم ، كمن يرمي إلى مكان لا يعرفه ، فإنه لا يكاد يصيب وإن أصاب فبلا قصد. ثم حكى الثالث وسكت عليه أو قرره بقوله : (وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) فدل على صحته ، وأنه هو الواقع في نفس الأمر. وقوله : (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ) إرشاد إلى أن الأحسن في مثل هذا المقام رد العلم إلى الله تعالى ، إذ لا احتياج إلى الخوض في مثل ذلك بلا علم ، لكن إذا أطلعنا على أمر قلنا به وإلا وقفنا.
وقوله : (ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) أي من الناس. قال قتادة : قال ابن عباس : أنا من القليل الذي استثنى الله عزوجل ، كانوا سبعة. وكذا روى ابن جرير عن عطاء الخراساني عنه أنه كان يقول أنا ممن استثنى الله عزوجل ويقول عدتهم سبعة ، وقال ابن جرير (٢) : حدثنا ابن يسار حدثنا عبد الرحمن حدثنا إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس (ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) قال أنا من القليل كانوا سبعة فهذه أسانيد صحيحة إلى ابن عباس أنهم كانوا سبعة ، وهو موافق لما قدمناه.
وقال محمد بن إسحاق بن يسار عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد قال : لقد حدثت أنه كان على بعضهم من حداثة سنه وضح الورق. قال ابن عباس : فكانوا كذلك ليلهم ونهارهم في عبادة الله يبكون ويستغيثون بالله ، وكانوا ثمانية نفر : مكسلمينا وكان أكبرهم وهو الذي كلم الملك عنهم ، وتمليخا ومرطونس وكسطونس وبيرونس ودنيموس ويطونس وقالوش ، هكذا وقع في هذه الرواية ، ويحتمل أن هذا من كلام ابن إسحاق أو من بينه وبينه ، فإن الصحيح عن ابن عباس أنهم كانوا سبعة ، وهو ظاهر الآية ، وقد تقدم عن شعيب الجبائي أن اسم كلبهم حمران ، وفي تسميتهم بهذه الأسماء واسم كلبهم نظر في صحته ، والله أعلم ، فإن غالب ذلك
__________________
(١) أخرجه البخاري في الجنائز باب ٩٦ ، ومسلم في المساجد حديث ١٩ ، ٢٠ ، ٢١.
(٢) تفسير الطبري ٨ / ٢٠٦.