رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) فأخبرهم النبي صلىاللهعليهوسلم بذلك ، فقالوا : من جاءك بهذا؟ قال : جاءني به جبريل من عند الله ، فقالوا له : والله ما قاله لك إلا عدونا ، فأنزل الله (قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) [البقرة : ٩٧] وقيل : المراد بالروح هاهنا جبريل ، وقال قتادة : وكان ابن عباس يكتمه ، وقيل المراد به هاهنا ملك عظيم بقدر المخلوقات كلها.
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) يقول : الروح ملك. وقال الطبراني : حدثنا محمد بن عبد الله بن عرس المصري ، حدثنا وهب بن روق بن هبيرة ، حدثنا بشر بن بكر ، حدثنا الأوزاعي ، حدثنا عطاء عن عبد الله بن عباس قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إن لله ملكا لو قيل له التقم السموات السبع والأرضين بلقمة واحدة لفعل ، تسبيحه سبحانك حيث كنت» وهذا حديث غريب بل منكر. وقال أبو جعفر بن جرير رحمهالله. حدثني علي ، حدثني عبد الله ، حدثني أبو مروان يزيد بن سمرة صاحب قيسارية عمن حدثه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال في قوله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) قال : هو ملك من الملائكة له سبعون ألف وجه ، لكل وجه منها سبعون ألف لسان ، لكل لسان منها سبعون ألف لغة ، يسبح الله تعالى بتلك اللغات كلها ، يخلق الله من كل تسبيحة ملكا يطير مع الملائكة إلى يوم القيامة ، وهذا أثر غريب عجيب ، والله أعلم.
وقال السهيلي : روي عن علي أنه قال : هو ملك له مائة ألف رأس ، لكل رأس مائة ألف وجه ، في كل وجه مائة ألف فم ، في كل فم مائة ألف لسان ، يسبح الله تعالى بلغات مختلفة. قال السهيلي : وقيل المراد بذلك طائفة من الملائكة على صور بني آدم ، وقيل : طائفة يرون الملائكة ولا تراهم ، فهم للملائكة كالملائكة لبني آدم.
وقوله : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) أي من شأنه ومما استأثر بعلمه دونكم ، ولهذا قال : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) أي وما أطلعكم من علمه إلا على القليل ، فإنه لا يحيط أحد بشيء من علمه إلا بما شاء تبارك وتعالى ، والمعنى أنه علمكم في علم الله قليل ، وهذا الذي تسألون عنه أمر الروح مما استأثر به تعالى ولم يطلعكم عليه ، كما أنه لم يطلعكم إلا على القليل من علمه تعالى ، وسيأتي إن شاء الله في قصة موسى والخضر أن الخضر نظر إلى عصفور وقع على حافة السفينة فنقر في البحر نقرة ، أي شرب منه بمنقاره ، فقال : يا موسى ما علمي وعلمك وعلم الخلائق في علم الله إلا كما أخذ هذا العصفور من هذا البحر ، أو كما قال صلوات الله وسلامه عليه ، ولهذا قال تعالى : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) وقال السهيلي : قال بعض الناس لم يجبهم عما سألوا ، لأنهم سألوا على وجه التعنت ، وقيل : أجابهم. وعول السهيلي على أن المراد بقوله : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) أي من شرعه ، أي فادخلوا فيه وقد علمتم ذلك ، لأنه لا سبيل إلى معرفة هذا من طبع ولا فلسفة ، وإنما ينال من جهة الشرع ، وفي