أظهرهم ، فكيف بمن لم أره».
وقال ابن جرير (١) : حدثني محمد بن عبد الله الزهري حدثنا سفيان ، عن المسعودي ، عن جعفر بن عمرو بن حريث ، عن أبيه ، عن عبد الله هو ابن مسعود في هذه الآية ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «شهيد (٢) عليهم ما دمت فيهم ، فإذا توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم».
وأما ما ذكره أبو عبد الله القرطبي في التذكرة حيث قال : باب ما جاء في شهادة النبيصلىاللهعليهوسلم على أمته ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، أخبرنا رجل من الأنصار عن المنهال بن عمرو أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : ليس من يوم إلا تعرض فيه على النبي صلىاللهعليهوسلم أمته غدوة وعشية ، فيعرفهم بأسمائهم وأعمالهم ، فلذلك يشهد عليهم ، يقول الله تعالى : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) فإنه أثر وفيه انقطاع ، فإنه فيه رجلا مبهما لم يسم ، وهو من كلام سعيد بن المسيب لم يرفعه ، وقد قبله القرطبي فقال بعد إيراده : قد تقدم أن الأعمال تعرض على الله كل يوم اثنين وخميس ، وعلى الأنبياء والآباء والأمهات يوم الجمعة ، قال : ولا تعارض ، فإنه يحتمل أن يخص نبينا بما يعرض عليه كل يوم ، ويوم الجمعة مع الأنبياء عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام.
وقوله تعالى : (يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) أي لو انشقت وبلعتهم مما يرون من أهوال الموقف وما يحل بهم من الخزي والفضيحة والتوبيخ ، كقوله : (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ) [النبأ : ٤٠].
وقوله : (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) إخبار عنهم بأنهم يعترفون بجميع ما فعلوه ولا يكتمون منه شيئا. وقال ابن جرير (٣) : حدثنا حاكم ، حدثنا عمرو عن مطرف ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، قال : جاء رجل إلى ابن عباس فقال له : سمعت الله عزوجل يقول ـ يعني إخبارا عن المشركين يوم القيامة أنهم قالوا ـ (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) [الأنعام : ٢٣] وقال في الآية الأخرى : (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) فقال ابن عباس : أما قوله : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) فإنهم لما رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا أهل الإسلام ، قالوا : تعالوا فلنجحد ، فقالوا (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) فختم الله على أفواههم وتكلمت أيديهم وأرجلهم (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً).
وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن رجل ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ،
__________________
(١) تفسير الطبري ٤ / ٩٥.
(٢) في الطبري : «شهيدا عليهم ما دمت فيهم فإذا توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد». والإشارة إلى الآية ١١٧ من سورة المائدة ، ولفظها في القرآن : «وكنت عليهم شهيدا ...».
(٣) تفسير الطبري ٤ / ٩٦.