أبي الله ذلك بالحق الذي أعطاك الله ، شرق بذلك ، فذلك الذي فعل به ما رأيت ، فعفا عنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله ، ويصبرون على الأذى ، قال الله تعالى : (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً) الآية وقال تعالى : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً ، حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) [البقرة : ١٠٩] الآية ، وكان النبي صلىاللهعليهوسلم يتأول في العفو ما أمره الله به حتى أذن له فيهم ، فلما غزا رسول الله صلىاللهعليهوسلم بدرا ، فقتل الله به صناديد كفار قريش قال عبد الله بن أبي بن سلول ومن معه من المشركين وعبدة الأوثان : هذا أمر قد توجه فبايعوا الرسول صلىاللهعليهوسلم على الإسلام وأسلموا.
فكل من قام بحق أو أمر بمعروف ، أو نهى عن منكر فلا بد أن يؤذى فما له دواء إلا الصبر في الله ، والاستعانة بالله والرجوع إلى الله عزوجل.
(وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ (١٨٧) لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٨٨) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١٨٩)
هذا توبيخ من الله وتهديد لأهل الكتاب الذين أخذ الله عليهم العهد على ألسنة الأنبياء أن يؤمنوا بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، وأن ينوهوا بذكره في الناس ، ليكونوا على أهبة من أمره ، فإذا أرسله الله تابعوه ، فكتموا ذلك وتعوضوا عما وعدوا عليه من الخير في الدنيا والآخرة بالدون الطفيف ، والحظ الدنيوي السخيف ، فبئست الصفقة صفقتهم ، وبئست البيعة بيعتهم ، وفي هذا تحذير للعلماء أن يسلكوا مسلكهم فيصيبهم ما أصابهم ، ويسلك بهم مسالكهم ، فعلى العلماء أن يبذلوا ما بأيديهم من العلم النافع ، الدال على العمل الصالح ، ولا يكتموا منه شيئا ، فقد ورد في الحديث المروي من طرق متعددة عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، أنه قال : «من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار».
وقوله تعالى : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا) ، يعني بذلك المرائين المتكثرين بما لم يعطوا ، كما جاء في الصحيحين عن النبي صلىاللهعليهوسلم «من ادعى دعوة كاذبة ليتكثر بها ، لم يزده الله إلا قلة» (١). وفي الصحيح أيضا «المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور» (٢).
__________________
(١) صحيح مسلم (إيمان حديث ١٧٣)
(٢) صحيح البخاري (نكاح باب ١٠٦) وصحيح مسلم (لباس حديث ١٢٦)