المسلمين بجهلهم ، وقلة دينهم ، وكفرهم بكتاب الله بأيديهم. وقد روى ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري ، حدثنا سفيان عن عمرو ، عن عكرمة ، قال : جاء حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف إلى أهل مكة فقالوا لهم : أنتم أهل الكتاب وأهل العلم ، فأخبرونا عنا وعن محمد ، فقالوا : ما أنتم وما محمد ، فقالوا : نحن نصل الأرحام ، وننحر الكوماء (١) ، ونسقي الماء على اللبن ، ونفك العناة ، ونسقي الحجيج ، ومحمد صنبور (٢) قطع أرحامنا ، واتبعه سراق الحجيج بنو غفار ، فنحن خير أم هو؟ فقالوا : أنتم خير وأهدى سبيلا ، فأنزل الله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً) الآية ، وقد روي هذا من غير وجه عن ابن عباس وجماعة من السلف.
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن أبي عدي عن داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : لما قدم كعب بن الأشرف مكة قالت قريش : ألا ترى هذا الصنبور المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا ونحن أهل الحجيج وأهل السدانة ، وأهل السقاية؟ قال : أنتم خير ، قال فنزلت (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) [الكوثر : ٣] ونزل (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ ـ إلى ـ نَصِيراً).
وقال ابن إسحاق (٣) : حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال : كان الذين حزّبوا الأحزاب من قريش وغطفان وبني قريظة حيي بن أخطب وسلام بن أبي الحقيق أبو رافع والربيع بن الربيع بن أبي الحقيق وأبو عمار ووحوح بن عامر وهوذة بن قيس ، فأما وحوح وأبو عامر وهوذة فمن بني وائل ، وكان سائرهم من بني النضير ، فلما قدموا على قريش قالوا : هؤلاء أحبار يهود وأهل العلم بالكتب الأول فاسألوهم أدينكم خير أم دين محمد؟ فسألوهم فقالوا : بل دينكم خير من دينه وأنتم أهدى منه وممن اتبعه ، فأنزل الله عزوجل (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) [آل عمران : ٢٣] إلى قوله عزوجل (وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) [النساء : ٥٤] وهذا لعن لهم وإخبار بأنهم لا ناصر لهم في الدنيا ولا في الآخرة لأنهم إنما ذهبوا يستنصرون بالمشركين ، وإنما قالوا لهم ذلك ، ليستميلوهم إلى نصرتهم ، وقد أجابوهم وجاءوا معهم يوم الأحزاب حتى حفر النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه حول المدينة الخندق ، فكفى الله شرهم (وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزاً) [الأحزاب : ٢٥].
(أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً (٥٣) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ
__________________
(١) الكوماء : الناقة العالية السنام.
(٢) الصنبور : الذي لا عقب له. وأصل الصنبور النخلة المنفردة التي يدق أسفلها.
(٣) سيرة ابن هشام ١ / ٥٦١.