فإن كان الأول : فيلزم أن لا تقدح المعارضة فيه الا أن يصدر ممن يدعى النبوة ؛ لأن المعارضة إنما تتحقق بالإتيان بمثل ما أتى به النبي على صفاته وشرائطه / ولهذا فإنه لما كان من شرائطه أن يكون خارقا للعادة ؛ لم تتحقق المعارضة دون الإتيان بما يخرق العادة ، ويلزم من ذلك أن لا يكون من عارض المعجزة بمثلها مبطلا لها بتقدير أن لا يكون متحديا بالنبوة ؛ وهو خلاف الإجماع ، ونصوص كتابكم.
وإن كان الثانى : فلا يكون ما أتى به دليلا على صدقه ، ولا كونه رسولا بالإجماع وكما لو ظهر ذلك على أيدى الأولياء.
[الشبهة] الحادية والثلاثون : سلمنا صحة الاستدلال به لكن بشرط أن يخلقه الله على يده لقصد التصديق له فى دعواه للرسالة ، وإنما يلزم ذلك أن لو كان فعل الله ـ تعالى ـ مما يراعى فيه الغرض والمقصود ؛ وهو باطل على ما سبق فى التعديل والتجويز (١).
[الشبهة] الثانية والثلاثون : سلمنا امتناع خلوّ فعل الله ـ تعالى عن الغرض ، والمقصود ؛ ولكن إنما يدل ذلك على صدقه أن لو انحصر الغرض فى التصديق ، وما المانع أن يكون له غرض آخر لم يطلع عليه ، وبيان امكان غرض آخر من ثلاثة أوجه.
الأول : أنه من الجائز أن يكون ذلك الشخص كاذبا فى مقالته ، والبارى ـ تعالى ـ مريد اضلالنا برسالته ، وأن يكون ما يدعوا إليه من الخير ؛ هو عين الشر ، وما ينهى عنه من الشر ؛ فهو عين الخير ، ولا إحالة فيه على أصلكم حيث أحلتم كون الحسن والقبح ذاتيا للحسن ، والقبيح.
كيف وأن خلق الخارق ممكن من غير تحد ومع تحدى الصادق ؛ فكذب الكاذب لا يخرج الممكن المقدور لله عن كونه ممكنا ، ولا مقدورا.
الثانى : أنه يحتمل أن يكون واحدا من الصالحين فى بعض أقطار الأرض قد دعا الله ـ تعالى ـ بإيجاد ذلك الخارق ؛ فأوجده الله تعالى ـ إجابة لدعاء ذلك الصالح لا لتصديق المدعى للرسالة.
__________________
(١) ـ انظر ما مر فى الجزء الأول ل ١٨٦ / أوما بعدها ص ١٥١ وما بعدها من الجزء الثانى الأصل الأول : فى التعديل والتجوير. المسألة الثالثة : فى أنه لا يجب رعاية الغرض والمقصود فى أفعال الله ـ تعالى ـ وأنه لا يجب عليه شيء أصلا.