وإن سلمنا أن العمل بمفهوم الآية يتوقف على عدم تفضيل جنس البشر على جملة المخلوقات فمن عداهم.
فلا نسلم أن ذلك يتوقف على عدم تفضيلهم على الملائكة. إذ المراد بالتفضيل فى الدار الآخرة ولا فى كثرة الثواب ؛ إذ هو المتنازع فيه ؛ بل المراد به : إنما هو التفضيل بإكرامهم فى الدنيا بأكلهم بأيديهم ، وباقى الحيوانات بأفواههم ، وحملهم فى البر على أظهر الحيوانات ، وفى البحر على السفن. ورزقهم من الطيبات : أى الحلال على ما قال ـ تعالى ـ فى أول الآية : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) : أى وفضلناهم بهذه الأمور على كثير ممن خلقنا من الحيوانات تفضيلا.
وإن سلمنا أن المراد به الفضيلة فى الأخرى ، ولكن لا يلزم من كون جملة البشر ليسوا أفضل من الملائكة ، أن لا يكون الأنبياء ، أفضل من الملائكة ؛ فإنه لا يلزم من انتفاء حكم عن الجملة انتفاؤه عن بعض آحاد الجملة.
قولهم : إن الملائكة رسل إلى الأنبياء. والأنبياء رسل إلى من ليس بنبي ؛ فتكون الملائكة أفضل.
قلنا : لا نسلم أن الأنبياء لم يكونوا رسلا إلى الأنبياء فإن إبراهيم عليهالسلام ، كان رسولا إلى لوط (١) ، وكان نبيا ، وموسى عليهالسلام كان رسولا إلى أنبياء بنى إسرائيل.
وإن سلمنا ما ذكروه ، ولكن إنما يلزم ما ذكروه ، أن لو كانت فضيلة الرسول مستفادة من شرف المرسل إليهم ؛ وهو غير مسلم. بل فضيلة الرسول لذاته ، ولكونه / رسول الله ـ تعالى ـ أو نقول فضيلة الرسول من لوازم كونه رسولا حاكما على المرسل إليهم ، متصرفا فى أحوالهم ، على حسب ما يشاء ، ويختار ؛ وهذا غير متحقق فى حق الملائكة بالنسبة
__________________
(١) لوط عليهالسلام : هو لوط بن هاران بن تارح (آزر) وقد بعثه الله زمن الخليل عليهالسلام ، ولوط عليهالسلام هو ابن هاران شقيق سيدنا إبراهيم ، وقد آمن لوط بعمه إبراهيم ، واهتدى بهداه كما قال ـ تعالى ـ : (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) ثم هاجر معه من العراق. وقد ذكره الله فى كثير من سور القرآن الكريم فى سور (الأعراف ، وهود ، والحجر ، والشعراء ، والنمل) وغيرها وذكرت قصته مع قومه وأهله مفصلة فى بعض السور ، ومجملة فى البعض الآخر والقرآن الكريم صور الأنبياء بصورة كريمة بينما صورتهم كتب وأسفار بنى إسرائيل بطريقة غير لائقة ونسبوا إليهم من الأفعال ما لا يليق بالبشر العاديين. فقد تقولوا على لوط عليهالسلام وابنتيه بما لا يليق وهو النبي الكريم والرسول الأمين. [قصص الأنبياء لابن كثير ص ١٩٢ ـ ٢٠٥ والنبوة والأنبياء ص ٢٣٥ ـ ٢٤٠].