مماثلة جملة ما صدر عن الأبلغ لم يجد إليه سبيلا ، ولا يمكن ضبط الكلام الّذي يظهر فيه تفاوت البلغاء بكلام مقدر محدود ، بل إنما ضبط ذلك بالمتعارف المعلوم بين أهل الخبرة ، والبلاغة.
وما ذكرناه وإن كان فيه ترك ظاهر الإطلاق فى قوله ـ تعالى : ـ (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) (١) غير أن تقييد المطلق بالدليل واجب ، فإن حمل التحدى على ما لا يتفاوت فيه بلاغة البلغاء ، ولا يظهر به التعجيز يكون ممتنعا.
قولهم : لا نسلم بلوغ خبر التحدى إلى كل الناس.
قلنا : لا شك فى بلوغه إلى فصحاء العرب ، فإذا كان القرآن معجزا بالنسبة إليهم فلأن يكون معجزا بالنسبة إلى غيرهم أولى.
فإن قيل : يحتمل أن يكون بعض بلغاء العرب ومن هو مقتدر على الإتيان بمثل القرآن قد سافر إلى مكان لم يسمع بالنبى ، وتحديه بالقرآن فيه.
قلنا : هذا الاحتمال وإن كان متقدما حالة التحدى ؛ فغير منقدح بعد ذلك ضرورة اشتهاره فى جميع الاقطار.
قولهم : لا نسلم أن المعارضة لم تقع.
قلنا : دليله ما سبق وما نقل من ترهات مسيلمة (٢) من قوله : «الفيل وما أدراك ما الفيل ، له ذنب وثيل ، وخرطوم طويل «وقوله» والزارعات زرعا ، فالحاصدات حصدا ، والطاحنات طحنا «وقوله» يا ضفدع بنت ضفدعين نقى أو لا تنقين ، لا الماء تكدرين ، ولا الشارب تمنعين» إلى غير ذلك من كلامه الغث ولتاته الرث ؛ فلا يخفى ما فيه من الدلالة على جهالة قائله وضعف عقله ، وسخف رأيه ، حيث ظن أن مثل هذا الكلام النازل الّذي هو مضحكة العقلاء ، ومستهزئ الأدباء ، معارض لما أعجز الفصحاء معارضته وأعيى الالباء مناقضته ، من حين البعثة ، إلى زمننا هذا.
__________________
(١) سورة يونس : ١٠ / ٣٨.
(٢) راجع عنه ما مر فى هامش ل ١٥٤ / أ ،