وأما القول بأن وجه الأعجاز فيه الصرفة (١) فهو أيضا باطل من أربعة أوجه :
الأول : أن إجماع المسلمين قبل وجود القائلين بهذه المقالة على أن القرآن معجزة الرسول الدالة على صدقه ، فالقول بأنّه لا إعجاز فى القرآن ؛ بل الإعجاز فى الصرفة ، يكون خرقا لإجماع المسلمين قبل وجود المخالفين. وأنتم لا تقولون به.
فلئن قلتم : إجماع الأمة على كون القرآن معجزا : إنما كان باعتبار أنه يتعذر الإتيان بمثله ، وكون الصّرفة معجزة باعتبار أنّها على خلاف العادة ؛ فلا مناقضة بين كون القرآن معجزا ، وكون الصرفة معجزة بالتفسيرين المذكورين. ويكون الدّال على صدق الرسول الصرفة دون القرآن.
فنقول : الإتيان بكلام القرآن : إما أن يكون معتادا ، أو غير معتاد ، فإن كان غير معتاد : فهو المعجز لا نفس الصرفة.
وإن كان معتادا : فيمتنع تسميته معجزا ؛ بل المعجز ما هو خارق للعادة ؛ وهو الصرفة عن المعتاد.
__________________
(١) القول بالصرفة معناه أن الله صرف العرب عن معارضة القرآن مع قدرتهم عليها ، فكان هذا الصرف خارقا للعادة ، والصرف هو المعجز لا القرآن ، وأول من ابتدع هذا القول النظام قال الإمام الأشعرى فى مقالات الإسلاميين ١ / ٢٢٥. «قال النظام : الآية والأعجوبة فى القرآن ما فيه من الإخبار عن الغيوب ، فأما التأليف والنظم فقد كان يجوز أن يقدر عليه العباد لو لا أن الله منعهم بمنع وعجز أحدثهما فيهم».
وقال الإمام الشهرستانى : (عن النظام) التاسعة : قوله فى إعجاز القرآن إنه من حيث : الإخبار عن الأمور الماضية والآتية ، ومن جهة الدواعى عن المعارضة ومنع العرب عن الاهتمام به جبرا وتعجيزا ، حتى لو خلاهم لكانوا قادرين على أن يأتوا بسورة من مثله بلاغة وفصاحة ونظما». (الملل والنحل ١ / ٥٦ ، ٥٧) .. ويقول الأديب مصطفى صادق الرافعى : «النظام هو الّذي بالغ فى القول بالصرفة عرفت به وكان هذا الرجل من شياطين أهل الكلام ... والقول بالصرفة هو المذهب الفاشى من لدن قال به النظام يصوبه فيه قوم ، ويشايعه آخرون .. وعلى الجملة فإن القول بالصرفة لا يختلف عن قول العرب فيه (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) سورة المدثر ٧٤ / ٢٤ وهذا زعم رده الله على أهله وأكذبهم فيه وجعل القول به ضربا من العمى (أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ) فاعتبر ذلك بعضه ببعضه فهو كالشيء الواحد» [إعجاز القرآن والبلاغة النبوية تأليف مصطفى صادق الرافعى الطبعة الثامنة سنة ١٩٦٥ المكتبة التجارية الكبرى بمصر ص ١٦٢ ـ ١٦٤ بتصرف].
وقد رد الآمدي على القول بالصرفة وأبطله بأربعة أوجه كما تصدى أهل السنة للرد على القائلين بالصرفة ، ولمزيد من البحث والدراسة بالإضافة إلى ما أورده الآمدي هاهنا. انظر : إعجاز القرآن للباقلانى ت : السيد أحمد صقر ـ دار المعارف بمصر سنة ١٩٦٣ م خاصة ص ٢٩ ـ ٣١ ونهاية الأقدام للشهرستانى ص ٤٥٢ وما بعدها. وأصول الدين للبغدادى ص ١٨٣ ، ١٨٤ ، وشرح المواقف للجرجانى ـ الموقف السادس ص ٩٨ ـ ١٠٨. تحقيق ونشر الدكتور أحمد المهدى. وشرح المقاصد للتفتازانى ٣ / ٢٨٩ وما بعدها.
ومن الكتب الحديثة : مناهل العرفان فى علوم القرآن للشيخ محمد عبد العظيم الزرقانى ج ٢ ص ٣١٠ وما بعدها ط : دار إحياء الكتب العربية ـ عيسى الحلبى وشركاه.