الآية صح ذلك
والقاضي أبو بكر رضي الله عنه منع ما صححته ، ولا وجه لمنعه ، والحق أحق أن يتبع.
ومن
وجوه تعلق المعجزة
بالتصديق ، أن لا تظهر مكذبة للنبي ، مثل أن يدعي مدعي النبوءة ، فيقول : آية صدقي
أن ينطق الله يدي ، فإذا أنطقها الله تعالى بتكذيبه وقالت : اعلموا أن هذا مفتر
فاحذروه ، فلا يكون ذلك آية. ولو قال : آيتي أن يحيي الله هذا الميت ، فأحياه الله
تعالى فقام وله لسان زلق ، فقال : صاحبكم هذا متخرص ، وقد بعثني الله تعالى لأفضحه
ثم خر صعقا ، فقد قال القاضي رضي الله عنه : هذه آية مكذبة لا تدل.
والذي عندي في ذلك
أن التكذيب إن كان خارقا للعادة فهو الذي يقدح في المعجزة ، وذلك بمثابة نطق اليد
بالتكذيب. فأما الميت إذا حيي وكذب فتكذيبه ليس بخارق للعادة. وللنبي أن يقول :
إنما الآية إحياؤه وتكذيبه إياي كتكذيب سائر الكفرة.
فصل
في إثبات الكرامات وتمييزها من المعجزات
فالذي صار إليه
أهل الحق جواز انخراق العادات في حق الأولياء ، وأطبقت المعتزلة على منع ذلك ،
والأستاذ أبو إسحاق رضي الله عنه يميل إلى قريب من مذاهبهم.
ثم مجوزو الكرامات
تحزبوا أحزابا. فمن صائر إلى أن شرط الكرامة الخارقة للعادة أن تجري من غير إيثار
واختيار من الولي ، وصار هؤلاء إلى أن الكرامة تفارق المعجزة من هذا الوجه ، وهذا
غير صحيح لما سنذكره. وصار صائرون إلى تجويز وقوع الكرامة على حكم الاختيار ،
ولكنهم منعوا وقوعها على قضية الدعوى ؛ فقالوا : لو ادعى الولي الولاية ، واعتضد
إيثار دعوته بما يخرق العادة ، فإن ذلك ممتنع ، وهؤلاء يقدرون ذلك تمييزا بين
الكرامة والمعجزة. وهذه الطريقة غير مرضية أيضا ، ولا يمتنع عندنا ظهور خوارق
العوائد مع الدعوى المفروضة.
وصار بعض أصحابنا
إلى أن ما وقع معجزة لنبي ، لا يجوز وقوعه كرامة لولي ؛ فيمتنع عند هؤلاء أن ينفلق
البحر ، وتنقلب العصا ثعبانا ، ويحيي الموتى كرامة لولي ، إلى غير ذلك من آيات الأنبياء
؛ وهذه الطريق غير سديدة أيضا. والمرضي عندنا ، تجويز جملة خوارق العوائد في معارض
الكرامات.
وغرضنا من تزييف
هذه الطرق وإثبات الصحيح عندنا ، والميز بين الكرامة والمعجزة ، يستبين بذكرنا عمد
نفاة الكرامة ؛ وتفصّينا عنها ، وتعويلنا على القواطع في إثباتها.
فمما تمسك به نفاة
الكرامة أن قالوا : لو جاز انخراق العادة من وجه ، لجاز ذلك من كل وجه ،