وينبغي أن لا يبعد أن يكون في طرف من أطراف الأرض صقع تنبت فيه الحيوانات وتنمو نمو النباتات ، حتى إذا التأم النبات علقت الحيوانات وجاءت بالحكم والآيات ، إلى غير ذلك من الجهالات.
ثم إذا تحدى النبي بشيء قدرناه خارقا ، فلو لم يكن خارقا لاشرأبّت النفوس لمعارضته ، وانصرفت الدعاوى إلى فضحه وحطه عن دعواه. فإذا ذاعت الدعوى وشاعت آيتها والتحدي بها وتعجيز الخلائق عن الإتيان بمثلها ، استبان بذلك أنه من الخوارق ، وهذا القدر غرضنا في ذلك.
والشريطة الثالثة للمعجزة أن تتعلق بتصديق دعوى من ظهرت على يديه ؛ وهذه الشريطة تنقسم إلى أوجه لا بد من الإحاطة بها.
منها أن يتحدى النبي بالمعجزة ، وتظهر على وفق دعواه ، فلو ظهرت آية من شخص وهو ساكت صامت فلا تكون الآية معجزة. وإنما قلنا ذلك لأن المعجزة تدل من حيث تتنزل منزلة التصديق بالقول على ما سنذكره ، ولا يتأتى ذلك دون التحدي. فإن من ادعى أنه رسول الملك ، وقال بمرأى منه ومسمع : إن كنت رسولك فقم واقعد ففعل الملك ذلك ، كان ذلك بمثابة قوله : صدقت. ولو لم يدع الرسول ذلك ، بل ادعى الرسالة مطلقا ، وقام الملك وقعد لما كان ذلك دالا على تصديقه فلا بد من التحدي إذا.
ثم يكفي في التحدي أن يقول : آية صدقي أن يحيي الله هذا الميت ، وليس من شرط المتحدي أن يقول : هذه آيتي ولا يأتي أحد بمثلها ؛ فإن الغرض من التحدي ربط الدعوى بالمعجزة ، وذلك يحصل دون أن يقول : ولا يأتي أحد بمثلها ؛ فهذا وجه من وجوه تعلق المعجزة بالدعوى.
ومن وجوهه أن لا تتقدم المعجزة على الدعوى ، فلو ظهرت آية أو لا وانقضت ، فقال قائل : أنا نبي والذي مضى كانت معجزتي ، فلا يكترث به ، إذ لا تعلق لما انقضى بدعواه. فإن قيل : إذا نظرنا إلى صندوق وألفيناه خلوا ، وأقفلناه وتركناه بمرأى منا ؛ فقال مدعي النبوءة : آية نبوءتي أنكم تصادفون في هذا الصندوق ثيابا ، فإذا فتحنا الصندوق وألفينا المتاع كما وصف كان ذلك آية. قلنا : نحن وإن كنا نجوز تقدم اختراع ذلك المتاع على دعواه ، ولكن قوله المبني على الغيب آية ، وذلك مطابق لدعواه ، فاعلموا.
فإن قيل : هل يجوز استيخار المعجزة عن دعوى النبوءة؟ قلنا : إن تأخرت وطابقت الدعوى كانت آية. ذلك مثل أن يقول النبي : آية صدقي انخراق العادة بكذا وكذا وقت الصبح ؛ فإذا وقع ذلك كما وعد ، وكان خارقا للعادة كان آية.
فإن قيل : لو قال مدعي النبوءة ستظهر آيتي بعد موتي بوقت ضربه ، فإذا وقع ما قاله بعد الوفاة على حسب دعواه ، كان ذلك خارقا للعادة ؛ فالوجه عندي في ذلك أن نقول : إن كلف الناس التزام الشرع ناجزا ، والآية موقوفة ، فقد كلفهم شططا ؛ وإن نص على الأحكام وعلى التزامها بوقت ظهور