وللبراهمة أسئلة يجب الاعتناء بها الآن. منها أن قالوا : خرق العوائد لا ينضبط ، فإن ما يوجد على الندور مرة أو مرتين ، لا يخرج عن قبيل الخوارق ، وإذا تكرر وتوالى صار معتادا ، ولا ينضبط ما يلحقه بالمعتاد ويخرجه عن الخوارق ، فالقول فيه مستند إلى جهالة.
وهذا لا محصول له ، وهو تحويم على جحد ضرورات العقول بتخييل ليس له تحصيل ؛ فإنا باضطرار نعلم أن إحياء الموتى وفلق البحر وما شابههما ليس من الأفعال المعتادة ، وعدم انحصار الأعداد التي تلحقها بالمعتاد لا يدرأ هذه الضرورة ، ورب شيء لا تنضبط عدته ولا تكيف صفته ، وإن كان معلوما باضطرار. وهذا بمثابة إفضاء الأخبار المتواترة إلى العلم الضروري بالمخبر عنه ، فلو أردنا ضبط أقل عدد يحصل التواتر بأخبارهم لم نجد إلى ذلك سبيلا ، وليس عدد فيه أولى من عدد.
وأقصى ما نذكره أن الأعداد التي ورد الشرع بها في الشهود ليست عدد التواتر ، ثم ليس لنا بعدها عدد يقطع به. ومن خاطب غيره بما تحشّمه فغضب ، استيقن على الضرورة غضبه. ولا يمكن ربط العلم بغضبه على احمراره أو صفة أخرى من صفاته ، فإن كل صفة يشار إليها قد توجد في غير حالة الغضب.
وإن قالت البراهمة : في أصلكم أن خرق العوائد وقلبها مقدور لله تعالى ، فليس من المستحيل أن تطرد عادة ثم يعهد مثلها ، ولو اطردت لخرجت عن كونها معجزة. فإذا ادعى نبي الرسالة ، وتشبث بما يخرق العادة ، فما يؤمننا أن يكون ذلك أول عادة ستطرد ، ولو اطردت لما كانت آية. والقول في التّفصّي عن ذلك يطول.
وأقرب شيء في ردهم أن نقول : لو قال نبي آيتي أن يقلب الله عادة معتادة ويطرد نقيضها ، لكان ذلك أحق المعجزات بالدلالة على النبوءات. ولئن دل نادر واحد مع عود العادة إلى الاطراد ، فلأن تدل عادة مطردة على مناقضته التي سلفت أولى. ثم إن استمر تمويههم في نادر يتحدى به نبي ، فما قولهم فيه إذا بدر منه ذلك النادر ، ثم انطوت أيام ودهور ، ولم يعهد لذلك النادر كرور ، فقد خرج عن أن يكون ابتداء عادة عوادة.
ومن أعظم شبههم في ذلك ، أن قالوا : كيف يتيقن العاقل كون ما جاء به النبي خارقا للعادة ، وقد استقر في نفسه ما اطلع الحكماء عليه من خواص الأجسام وبدائع التأثيرات ، حتى توصلوا إلى قلب النحاس ذهبا إبريزا ، أو جر الأجسام الثقال بالأدوات الخفيفة ، إلى غير ذلك من بدائع الحكم ونتائج الفكر الثاقبة؟ هذا ، ومما استفاض في البرية حجر له خاصيته في جذب الحديد ، فما يؤمننا أن يكون مدعي النبوة قد عثر على سرّ من هذه الأسرار وتظاهر به؟
قلنا : هذا يجر إلى إنكار البداية والتشكك في الضروريات ، وكل نظر يجر إلى دفع ضرورة فهو الباطل دون الضرورة. وبيان ذلك ، أنا باضطرار نعلم أنه ليس في القوى البشرية والفكر الحكمية إحياء العظام بعد ما رمت ، وإبراء الأكمه والأبرص ، وقلب العصا حية تتلقف ما يأفك السحرة ؛ ومن جوز التوصل إلى مثل ذلك بالحكم ، ودرك الخواص فقد خرج عن حيز العقلاء.