إلا على ما هو حقه من المقدمات البديهية لدى العقل والعقلاء ، ولم اجادل عموم النصارى والزمهم في جامعة دينهم ، والنصرانية التي عندهم إلا بما تسالموا إلهاميته وصدوره عن الوحي ، وهي كتب العهدين التي ذكرنا انهم متفقون في هذه القرون على نسبتها إلى الوحي والالهام ، وشرحنا أسماءها في المقدمة الاولى ، ولم أباحثهم خبطا بإزاء آحاد مفسريهم وعلمائهم ، أو آحاد تقاليدهم التي لا توجب في دينهم علما أو يأبى صحتها أغلبهم».
* * *
وتمهيدا لهذه الطريقة الحكيمة التي التزم بها في مباحثة هؤلاء المعاندين العاندين (١) قدم المقدمات الضرورية ، وقعد القواعد الأساسية التي بنى عليها ما يعجز حملة التوراة والاناجيل من الحجج والبراهين المستمدة من أسفارهم ، فقد جادل أهل التوراة بتوراتهم وأهل الإنجيل بانجيلهم وخاطبهم بلسانهم ولغتهم ، ورموز مصطلحاتهم ، ومن جملة موضوعات الجزء الاول من هذا الكتاب الحفيل بالحقائق الناصعة : سيرة بني اسرائيل والملة النصرانية. سيرة بني اسرائيل وتقلبهم في الشرك ، وسيرة أصحاب المسيح وتلاميذه ، والمعلمين في النصرانية واضطرابهم واختلافهم ، ولا حجة بكتب العهدين ، وشهادة بعضها على بعض بالتحريف ، ومنها :
رسالة النبي «ص» والغاية المطلوبة منها ، وعصمته في العقل والنقل والاعتراضات على العصمة وأجوبتها ، وفي نسبة المعاصي إلى الأنبياء والجواب عليها وشئون الأنبياء مع أقوامهم وموقف القرآن من تنزيههم ، وفلسفة القرآن في القذف ، وفي المعجز والمعجزات والعهد الجديد يعارض دعوى المسيح «ع» ومنها : الاناجيل تنسب التناقض للمسيح وحاشاه من ذلك ، وفي حقيقة النسخ في التوراة والإنجيل والقرآن ، الناسخ والمنسوخ في شريعة نوح ، دفع الاعتراضات على القرآن من حيث العربية والعلوم الاخرى من بلاغية وتاريخية وفلكية وغير ذلك من الفنون القرآنية العجيبة الباهرة.
__________________
(١) العاند : المنحرف عن جادة الحق والشرع.