المقلدين من أماتوا بداء التقليد قلوبهم ، وأعموا عيون بصائرهم ، وهؤلاء لا يستضيئون بنور عقولهم ، ولا يوجهون نظرهم الى طلب الحق ليهتدوا إليه (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً) الاعراف «١٢٣ و ١٢٤».
وانظر الى العهدين فكم ترى في نقلهما من هؤلاء امما لم تنفع فيهم بواهر المعجزات المتكررة والآيات المتظافرة مهما بلغت فلا يجدي معهم إلا أن يصرف الله نفوسهم بقدرته القاهرة الى الإيمان ويلجئهم بغير اختيار منهم عليه ويطبعهم عليه كما يطبع الحجر الأبيض على البياض وهذا خلاف ما جرت عليه حكمة الله في خلقه لعباده.
ولا يسمحان أيضا بأن تقترح في الحجة على الرسالة ان تكون دائما من قسم الفعل المعجز الخارق للعادة فإن ذلك غير لازم بل يكفي نص الرسول المسلم الرسالة عند المدعوين على رسالة الرسول الذي يدعوهم نصا معينا مشخصا لا يحتمل الاشتراك والاشتباه وذلك لأجل حكم العقل بعصمة الرسول في التبليغ ، فعصمة الرسول الناص حجة كافية في تصديق الرسول المنصوص عليه وصدقه بدعواه الرسالة.
ويكفي أيضا ان يكون مدعي الرسالة على نحو يمتاز به عن سائر البشر في تهذيب جميع أخلاقه واستجماعه لصفات الكمال وطهارته عن جميع الرذائل والنقائص منزها عن الميل مع الهوى مبرءا عن الإثم والتخلق والتصنع والتزوير فان هذا كاف في الحجة على صدقه ومقتض لأن يؤمن به من لم تعم العصبية عينيه أو يصم التقليد اذنيه.
وان قلت : ان ذلك من نحو المعجز الخارق لعادة الطبيعة البشرية فلا نضايقك فيما تقول.
وبمقتضى العهد الجديد ان إيمان الناس بيوحنا المعمدان كان على أحد هذين الوجهين حتى أقبل عليه جمهور اليهود وغيرهم مصغين لبشائره ووعظه معتمدين منه بمعمودية التوبة.