إنهم لم يكونوا معقولين في ذلك ولا معتدلين أو واقعيين ، بل كانوا يتحركون من موقع الخطّة في الإيحاء بتهوين شأنه وتحقير موقعه ، من أجل أن يبتعد الناس عنه ، من خلال نظرة الاستهانة به ، عند ما يفقدون الاحترام له ، مما ينعكس سلبا على النظرة إلى رسالته. ولهذا كانوا يتخذون أسلوب السخرية والاستهزاء به ، بطريقة توحي بالضحك بدلا من الاحترام.
(وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً) من خلال ما يطلقه المستكبرون من إشارات السخرية تجاه من هم دونهم في الموقع الطبقي ، ويعملون على استخراج مواقع الهزء ، مما يمكن أن يكون مثارا لذلك ، ومما لا يكون كذلك ، لأن المسألة عندهم ، ليست مسألة واقعية الهزء في شخصيته ، بل هي مسألة إثارة الجوّ الساخر في أجواء الساحة العامة ، ليساهم ذلك في تنفيذ مخططهم في إسقاطه.
(أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) في إشارة ساخرة توحي باستبعاد ذلك ، لتقول للناس بأنه هل من المعقول أن يكون هذا الفقير ، اليتيم ، الذي لا يملك موقعا اجتماعيا في الدرجة الطبقية العليا من المجتمع ، رسولا لله؟ ولماذا لا يكون غيره من أصحاب النفوذ المادي والمعنوي في حياة الناس ممن تتناسب الرسالة مع درجته ليكون ذلك أساسا لنفوذها في قناعات الناس الذين يأبون الخضوع في أفكارهم إلا للذين يقدّمون لهم الخضوع في أوضاعهم العامة من خلال امتيازاتهم الطبقية؟
إنهم يشيرون إليه بطريقة تدعو الآخرين إلى الاستغراب والهزء والضحك من هذا الداعية ، في هذه الدعوة التي يثيرها أمام الناس ، وكأنهم يريدون لهم أن يفهموا أن مجرد النظرة إليه كافية للاستهزاء به من دون ضرورة للدخول في التفصيل ، لأن طبيعة النظرة توحي بالفكرة ، (إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها). إنه يملك أسلوبا ساحرا في نظرته إلى القضايا ، وفي