(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) في صعيد واحد ، في موقع المسؤولية ، حيث يقف المعبودون والعابدون الذين عاشوا الانحراف عن خط التوحيد في ما قدمه هؤلاء من فروض العبادة لأولئك من دون الله ، وما تقبّله أولئك منهم ، أو شجعوهم عليه ، أو طلبوه منهم مما كان يخيّل إليهم من ضخامة شخصيتهم بالمستوى الذي يتحولون به إلى مستوى الآلهة ، أو ما لم يتقبلوه منهم ، من المعبودين الذين لا يرون لأنفسهم أيّ سرّ يوهلهم لذلك ، كالملائكة الذين كان يعبدهم بعض الناس من دون الله (فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ) من خلال ما دعوتموهم إليه ، أو ما زينتموه لهم ، من عبادتكم (أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ) من خلال جهلهم بحقيقة الألوهية ، بما هو التوحيد في الإله ، أو تجاهلهم لحركة المعرفة في العقل ، ولإيحاءاتها في الشعور ، ولموقعها في الحياة.
وهذا هو السؤال الذي يريد أن يجسد أمام العابدين لغير الله ، كيف ينظر الذين يعبدونهم من دون الله إلى أنفسهم أمامه ، وكيف يتطلعون إلى هذه العبادة الإشراكية الزائفة. (قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ) إننا نعيش عمق الإحساس بعظمة الوحدانية في ألوهيتك ، فليس لدينا أمامك إلا الانسحاق والذوبان الذي يتحوّل إلى تسابيح نطلقها في سمائك. فمن موقع الإيمان العميق نوحّدك ، وإذا كان التوحيد هو سرّ الإيمان فينا ، فكيف ينبغي لنا أن نتخذ من دونك أولياء ، فنواليهم ونخلص لهم ونتقبلهم ، وهؤلاء هم الذين عبدونا من دونك ، وقدّموا لنا فروض العبادة بدلا منك. ولكن كيف حدث ذلك؟
(وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ) فقد عاشوا في إحساسهم المليء بالشهوات ، الغارق في أمواج الأحلام ، وامتدوا بالمتع الحسية حتى استغرقوا فيها ، وشغلوا بها حتى انفصلوا عن كل ما عداها من حقائق العقيدة