(أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَ) حيث أعطيتني من شؤون العلم والقدرة والنبوّة ، وأعطيت أبويّ من ذلك ومن غيره ، (وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ) إذ يمثل ذلك شكرا عمليا للنعمة ، ويجسد وسائل القرب إلى الله الذي يقرّب عباده إلى رضوانه من خلال طاعتهم وإيمانهم.
(وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) حتى أكون جزءا من هذه المسيرة الإنسانية الصالحة من عبادك في الدنيا ، وأكون جزءا من هذا المجتمع الصالح القريب إليك بإيمانه وعمله ، والسعيد بجنتك ونعيمك في الآخرة.
وهكذا يستوحي الإنسان من خلال هذا الدعاء المنطلق من أعماق الروحية الإيمانية لدى سليمان ، أنّ على الإنسان دائما أن لا ينفصل عن شعوره بالله وبحاجته إليه وبإحساسه بفضله على وجوده كله ، حتى وهو في أعلى مواقع القوّة ، ليبقى مشدودا إليه بعقله وشعوره ، وليفكر دائما أن وجوده مستمدّ من وجود الله ، وأنه جزء من نعمته ، وأن عليه أن يشكر نعمته التي أنعم بها عليه وعلى والديه ، لأن النعمة التي يغدقها الله على الوالدين هي نعمة على الولد بشكل غير مباشر في ما يحصل عليه منهما من رعاية وعناية وما يمثله وجودهما من النسب المباشر لوجوده.
كما أن عليه أن يبتهل إلى الله تعالى في أن يوقفه للقيام بالعمل الصالح لتكون حياته مثالا للصلاح في كل مفرداتها وتطلعاتها إلى النمو والسموّ والتقدم والتقرب إلى الله ، وأن يدخله في المجتمع الصالح ، فلا يكون مجرد فرد يعيش روحية الصلاح في نفسه وحركيته في عمله ، بل يكون جزءا من المجتمع الصالح الذي يتفاعل معه ويتحرك في ساحاته ويعيش تفاصيله وينتهي معه في مصيره. ولعلنا نستوحي من ذلك أن الإنسان المسلم يظل مشدودا إلى المجتمع الصالح ليعلم من أجل تكوينه ويقوى به ويقويّه.
* * *