يكن أخا لهم في النسب ، حيث كان من بلد آخر بعيد عنهم ، إذ جاء مع عمه إبراهيمعليهالسلام من بابل إلى مصر ثم إلى فلسطين حوالي القرن التاسع عشر قبل الميلاد ـ كما يقال ـ وأقام في وادي الأردن. وبذلك كان أخا لهم من خلال اندماجه معهم في المجتمع حتى عاد كواحد منهم في الحياة الاجتماعية العامة ، ولكنه كان منفصلا عنهم في التفكير وطريقة الحياة والسلوك على أساس حمله لرسالة الله التي بدأها بالدعوة إلى التقوى الفكرية والعملية في السير على خط الاستقامة الذي يبدأ من الله من خلال وحيه وينتهي إليه في مواقع طاعته ورضاه.
(إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) أحمل رسالة الله كما أوحى بها إليّ من دون زيادة أو نقصان ، لأن أمانة الرسالة تفرض عليّ ذلك ، باعتبارها الأمانة التي أراد الله لي أن أؤديها إلى الناس بكل صدق وإخلاص ، (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) لأن تقوى الله تتمثل في حركة الواقع باتباع الرسول وطاعته في كل أوامره ونواهيه ، لأنه لا يمثل نفسه في ذلك كله ، بل يمثل وحي الله وإرادته في جميع الأمور.
(وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) فليست لي أيّة مصلحة ذاتية عندكم مما يدعوكم إلى الاستجابة لي في دعوتي ، بل هي مصلحتكم في ما أودع الله في عمقها من مصالحكم الحقيقة في حركة الحياة على خط الله ، فلا أطلب منكم مالا ولا جاها ولا شهوة ، لأنّ كل همي هو الله في رضاه عني في أداء رسالته كما يريد ويحب. ولن تخسروا شيئا في الاستجابة لي ، إلا ما تفقدونه من جهلكم وتخلّفكم وانحرافكم الذي سيتحوّل إلى علم وتقدّم واستقامة.
* * *