وعلى ضوء هذا ، فإننا نستطيع استيحاء القاعدة في اعتبار التضاد في العقيدة أساسا للعداوة القلبية والفكرية والعملية ضد رموز الكفر والضلال ومقدّساتها ، في ما تمثله العقيدة من قاعدة مصيرية على مستوى واقع الإنسان والحياة ، مما يجعل لها علاقة ووثيقة بكل القضايا المتصلة بهذا الجانب في الموقع الصميم. فإذا كان الناس يضمرون العداوة للأشخاص الذين يصطدمون بمصلحة قريب أو نسيب أو وطن أو سياسة ، فإن من الطبيعي أن توجّه مشاعر الإحساس بالعداوة للذين يرفضون الله ، أو يشركون به أو يحاربون دينه وشريعته ، أو يضطهدون أولياءه بطريق أولى ، لأن ذلك أكثر أهميّة في حساب المصير.
ولكن ليس معنى العداوة التعسف والفوضى ، بل معناها الرفض والمواجهة التي تتحرك بحسابات دقيقة قد يمكن بعضها في داخل النفس ، وقد تخرج ـ في بعضها الآخر ـ إلى دائرة العلن ، تبعا للمصلحة العليا لقضية الإيمان ، مما يجعل المسألة تدخل في دائرة الحركية في الأسلوب ، بينما يبقى لها عمقها الحاسم ، المتمثل بالمبدأ.
وهكذا أعلن إبراهيم العداوة بشكل حاسم ليحدد الخطوط الفاصلة بين موقفه وموقفهم ، فيكون فريقا مميزا في الساحة ، في نظرته إلى الآخرين ، وفي نظرتهم إليه ، لتبدأ ساحة الصراع المريرة التي تثير علامات الاستفهام لدى الناس حول القضايا التي يدور حولها الصراع ، ولتبدأ عملية الاختيار من ذلك الموقع.
* * *
__________________
ـ أمره لينظروا فيقولوا ما نصحنا إبراهيم إلا بما نصح به نفسه وما أراد لنا إلا ما أراد لروحه ليكون أدعى لهم إلى القبول ، وأبعث على الاستماع منه ، ولو قال : فإنه عدو لكم ، لم يكن بتلك المثابة ولأنه دخل في باب من التعريض ، وقد يبلغ التعريض للمنصوح ما لا يبلغه التصريح. الزمخشري ، أبو القاسم جار الله محمود ابن عمر (الخوارزمي). الكشاف ، دار الفكر ، ج : ٣ ، ص : ١١٦.