التسليم لله بقضائه وقدره
(قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللهُ لَنا) فقد قدّر الله للحياة أوضاعها ، من خلال ما أودعه من أسباب ذلك كله ، وجعل النتائج السلبية والإيجابيّة محكومة لذلك. ولذلك فإن المسألة لا تخضع لتمنّيات الأصدقاء أو لشماتة الأعداء ، فلا يملك أحد من أمر ذلك شيئا ، لأنهم لا يملكون لأنفسهم وللآخرين ضرّا ولا نفعا إلا بالله. أمّا المؤمنون به ، الواثقون برحمته وقدرته وحكمته ، فإنهم يواجهون الحياة من موقع الطمأنينة الواثقة به وبسننه الكونيّة التي أجرى عليها حركة الكون في تقديره وتدبيره ، ولهذا فإنهم ينطلقون من قاعدة الثقة الواعية ، في دراسة دورهم الفاعل في ما يفعلون ويتركون ، فإذا قاموا بما يجب عليهم من مسئوليات من خلال قدرتهم ، واجهوا المستقبل بثقة ، وتحمّلوا كل نتائجه بصبر ، وانطلقوا مع حركته بوعي وإيمان لثقتهم بتدبير الله في ما لا يملكون أمره ولا يبلغون مداه ، فيتقبلون كل شيء لله وبالله ومع الله ، في كل شيء ، (هُوَ مَوْلانا) الذي يملك ولاية أمورنا ، فعلينا أن نطيعه في ما يأمر به وينهى عنه ، ونستسلم لتدبيره في ما يهيمن عليه من شؤون الحياة بما تفرضه حكمته ورحمته ، (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) ليسلّموا له كل شيء في حركة المستقبل المجهول الذي قد يوحي إليهم بالخوف في ما يجهلون من أسراره ، ولكن الإيمان يحمل إليهم الطمأنينة من خلال ما يوحيه الإيمان بالله والثقة به.
وذلك هو سرّ العقيدة الإسلامية بالقضاء والقدر في استسلام المؤمن لقضاء الله وقدره من موقع الوعي للعقيدة بالله ، فليس هو استسلام الإنسان المهزوم بإرادته ، الخائف من مسئوليته ، بل هو استسلام الثقة بالله في ما يجهله ، بعد انطلاقه من مواقع الإرادة المسؤولة التي تحرّك الحياة من حوله في ما يمكنه أن يعمل ، ليترك الأشياء الأخرى التي لا يستطيع عملها لله ، على