قوله : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ) [٢٥] أي بما في قلوبكم ، لأن القلب يجمع العقل والنفس والهوى.
قوله : (إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً) [٢٥] قال ابن المسيب : الأواب الذي يذنب ثم يتوب ، ثم يذنب ثم يتوب ، ويموت على توبته (١). وقال الحسن : الأواب التائب الذي لا يكون معه وقتان ، إنما هو مهيئ للتوبة كل لمحة ولحظة. وحكي عن ضمرة بن حبيب (٢) عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «من فتح له باب خير فلينتهزه فإنه لا يدري متى يغلق عنه» (٣) يعني فليعتبر وقته ولا يؤخر.
قوله تعالى : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) [٣٦] أي لا تبغ ما ليس لك به علم كما قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «نحن بنو النضر بن كنانة ، لا نقفو أمنا ولا ننتفي من أبينا» (٤) ، يعني آباء العرب.
قوله تعالى : (وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ) [٥٧] قال : رحمته جنته في الظاهر وفي الباطن حقيقة المعروف. ثم قال : إن الخوف والرجاء زمان للإنسان فإذا استوى قامت له أحواله ، وإذا رجح أحدهما بطل الآخر (٥) ، ألا ترى أن النبي صلىاللهعليهوسلم يقول : «لو وزن رجاء المؤمن وخوفه لاعتدلا» (٦).
قوله تعالى : (وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ) [٦٧] أي ما تسألون كشفه إلا منه ، وتتبرؤون من حولكم وقوتكم ، وتعترفون بحوله وقوته ، وهذه الآية رد على أهل القدر الذين يدّعون الاستطاعة لأنفسهم دون الله تعالى. (أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً) [٦٨] ، وقال : (فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ) [٦٩] فإن كانت لهم استطاعة فليدفعوا عن أنفسهم العذاب.
__________________
(١) لسان العرب (أوب).
(٢) ضمرة بن حبيب بن صهيب الزبيدي ، أبو عتبة الحمصي (... ـ ١٣٠ ه) : تابعي ، شامي ، كان ثقة ، وكان مؤذن المسجد الجامع بدمشق. (تهذيب التهذيب ٤ / ٤٠٢).
(٣) مسند الشهاب ١ / ٢٦٨.
(٤) مسند أحمد ٥ / ٢١١ ـ ٢١٢ ؛ والمعجم الكبير ١ / ٢٣٥ ، ٢ / ٢٨٦ ؛ وسنن ابن ماجة ٢ / ٨٧١ رقم ٢٦١٢.
(٥) تفسير القرطبي ١٠ / ٢٨٠.
(٦) مصنف ابن أبي شيبة ٧ / ١٧٨ ؛ وشعب الإيمان ٢ / ١٢.