الآية : (وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران : ١٠٢] أي مسلمون لأمر الله بكل حال مفوضون إليه ، والآخرون ردوا إلى الاجتهاد ، فافهم الفرق بين الاثنين في الخطاب ، إذا كان اللفظ متفقا والمعنى مختلفا خاص وعام. قال أبو بكر : ثم قال سهل : لو دعا المتقون على المسرفين لهلك الأولون والآخرون منهم ، ولكن الله جعل المتقين رحمة للظالمين ليستنقذهم بهم ، فإنّ أكرم الخلق على الله عزوجل المتقون كما قال الله : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) [الحجرات : ١٣] فمن أراد كرامة الله عزوجل فليتّقه ، فإنه ينال بالتقوى كرامته ، والدخول إلى جنته ، ويسكن في جواره ، ويفوز فوزا عظيما ، وقد قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «من أصلح سريرته أصلح الله علانيته ومن اتقى الله في سره قربه وأدناه» (١).
قوله : (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) [٢٠١] أي العلم والعبادة خالصا (وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً) [٢٠١] أي الرضا ، كما قال : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) [المائدة : ١١٩]. وسئل عن قوله : (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا) [٢٢٤] ما هذا البر؟ فقال : يعني أن لا تصلوا القرابة لعلة اليمين. فقيل له : لقد قال : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) [١٧٧] فقال : يعني ليس من التقوى أن لا تفعلوا غير ذلك (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ) [١٧٧] الآية. ألا تراه كيف قال : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) [٤٤] يعني اليهود كانوا يأمرون إخوانهم من الرضاعة بطاعة الله تعالى واتباع النبي صلىاللهعليهوسلم ، وكانوا لا يفعلون ذلك. قوله : (وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) [٢٣٥] أي مناكحة. قوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ) [٢٣٥] أي علم ما في غيب أنفسكم قبل خلقه لكم من فعل حركة أو سكون بخير أمر به وأعان على فعله ، وفعل ما نهى عنه ، ولم يعصم من نزل به ، وخلى من شاء مع الهوى لإظهار فعل ما نهى عنه ، ولم يعصم عدلا منه وحكما ، فكان معنى قوله : (ما فِي أَنْفُسِكُمْ) [٢٣٥] أي ما لم تفعلوه ، و (فِي أَنْفُسِكُمْ) [٢٣٥] أي ما ستفعلونه (٢) ، (فَاحْذَرُوهُ) [٢٣٥] أي اضرعوا إليه فيه حتى يكون هو الذي يتولى الأمر بالمعونة والتوفيق على الطاعة ، ويعصم عن النهي بالنصر والتأييد.
ألا ترون إلى قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما : اللهم إن كنا عندك في أم الكتاب أشقياء محرومين فامح ذلك عنا وأثبتنا سعداء مرحومين ، فإنك تمحو ما تشاء ، وتثبت وعندك أم الكتاب.
__________________
(١) مصنف ابن أبي شيبة ٧ / ١٦٢ (رقم ٣٤٩٨٨) ، ٧ / ٢١٧ (رقم ٣٥٤٧٢) ؛ وصفوة الصفوة ٣ / ١٠٤.
(٢) حلية الأولياء ١٠ / ٢٠٠ ، ٢١٠.