ما الزاد والراحلة؟ فقالوا : لا. فقال : الزاد الذكر ، والراحلة الصبر. قال (١) : وقد صحبه رجل في طريق مكة فلم يجد يومين شيئا فقال : يا أستاذ أحتاج إلى قوت. فقال : القوت هو الله. فقال : لا بد من قوت يقوم به الجسد. فقال : الأجساد كلها بالله عزوجل وأنشد : [من البسيط]
يا حبّ زدني سقاك الشّوق من ديم |
|
يزيدني صوبها الأحزان والكربا |
ودام لي لوعة في القلب تحرقني |
|
إنّي متى أزداد حبّا زادني طربا |
ثم قال : الدنيا هي التي قطعت المنقطعين إلى الله عن الله عزوجل. وقال (٢) : عيش الملائكة في الطاعة ، وعيش الأنبياء بالعلم وانتظار الفرج (٣) ، وعيش الصديقين بالاقتداء ، وعيش سائر الناس [عالما كان أو جاهلا ، زاهدا كان أو عابدا] (٤) في الأكل والشرب.
قوله : (وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ) [١٩٧] أي يا أهل الفهم عني بالعقول السليمة. وقال : إن الله تعالى أمرهم أن يتقوه على مقدار طاقات عقولهم بما خصهم به من نور الهداية بذاته ، والقبول منه ، وإفرادهم بالمعنى الذي ركبه فيهم ، وعلمه بهم قبل خلقهم ، فذكرهم تلك النعمة عليهم ، ودعاهم بتلك النعمة التي سبقت لهم إلى الاعتراف بنعمة ثانية بعد الموهبة الأزلية ، وهي حقيقة المعرفة ، وقبول العلم بالعمل خالصا له. قيل : فما معنى التقوى وحقيقته؟ قال : الحقيقة لله عزوجل أن تعاجل لدى العمل القليل بالموت ، وكذا الخطايا بالعقوبة ، فيعرف ذلك فيتقيه ، فلا يتكل على شيء سواه. قيل له : قد اختلفت أسباب تقوى الخلق؟ قال : نعم ، كما اختلف أفعالهم. قال أبو بكر : فقلت : لقد ثبت في القرآن أن تقوى كل امرئ على حسب طاقته. فقال : نعم ، قد قال الله تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا) [التغابن : ١٦] فردهم إلى ما في طاقتهم. فقلت له : لقد قال الله تعالى : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) [آل عمران : ١٠٢] قال سهل : أما أصحابنا فيقولون إن هذا الخطاب لقوم مخصوصين بأعيانهم ، لأنهم طولبوا بما لم يطالب به الأنبياء عليهمالسلام ، وكما قال إبراهيم ويعقوب لأولادهما : (يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [١٣٢]. وإنما تعبد الله الخلق على حسب طاقاتهن ، والذين قيل لهم : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) [آل عمران : ١٠٢] طولبوا بالتقوى على حسب معرفتهم بالله ، فكان معنى ذلك ، أي اتقوا الله حق تقاته ما قدرتم عليه ، لا أنه رخص في ترك التقوى بتلك
__________________
(١) حلية الأولياء ١٠ / ١٩٨.
(٢) حلية الأولياء ١٠ / ١٩٨.
(٣) في الحلية : (وانتظار الوحي).
(٤) ما بين القوسين إضافة من الحلية.