(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) (٧)
____________________________________
قوله ـ كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) حكاية لما كانوا يقولونه قبل مبعثه عليهالسلام من أنهم لا ينفكون عن دينهم إلى مبعثه ويعدون أن ينفكوا عنه حينئذ ويتفقوا على الحق وقوله تعالى (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) الخ بيان لإخلافهم الوعد وتعكيسهم الأمر بجعلهم ما هو سبب لانفكاكهم عن دينهم الباطل حسبما وعدوه سببا لثباتهم عليه وعدم انفكاكهم عنه ومثل ذلك بأن يقول الفقير الفاسق لمن يعظه لا أنفك عما أنا فيه حتى أستغنى فيستغنى فيزداد فسقا فيقول له واعظه لم تكن منفكا عن الفسق حتى توسر وما عكفت على الفسق إلا بعد اليسار وأنت خبير بأن هذا إنما يتسنى بعد اللتيا والتى على تقدير أن يراد بالتفرق تفرقهم عن الحق بأن يقال التفرق عن الحق مستلزم للثبات على الباطل فكأنه قيل وما أجمعوا على دينهم إلا من بعد ما جاءتهم البينة وأما على تقدير أن يراد به تفرقهم فرقا فمنهم من آمن ومنهم من أنكر ومنهم من عرف وعاند كما جوزه القائل فلا فتأمل (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ) بيان لحال الفريقين فى الآخرة بعد بيان حالهم فى الدنيا وذكر المشركين لئلا يتوهم اختصاص الحكم بأهل الكتاب حسب اختصاص مشاهدة شواهد النبوة فى الكتاب بهم ومعنى كونهم فيها أنهم يصيرون إليها يوم القيامة وإيراد الجملة الاسمية للإيذان بتحقق مضمونها لا محالة أو أنهم فيها الآن إما على تنزيل ملابستهم لما يوجبها منزلة ملابستهم لها وإما على أن ما هم فيه من الكفر والمعاصى عين النار إلا أنها ظهرت فى هذه النشأة بصور عرضية وستخلعها فى النشأة الآخرة* وتظهر بصورتها الحقيقة كما مر فى قوله تعالى (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) فى سورة الأعراف (خالِدِينَ فِيها) حال من المستكن فى الخبر واشتراك الفريقين فى دخول دار العذاب بطريق الخلود لا ينافى* تفاوت عذابهم فى الكيفية فإن جهنم دركات وعذابها ألوان (أُولئِكَ) إشارة إليهم باعتبار اتصافهم بما هم فيه من القبائح المذكورة وما فيه من معنى البعد للإشعار بغاية بعد منزلتهم فى الشر أى أولئك* البعداء المذكورون (هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) شر الخليقة أى أعمالا وهو الموافق لما سيأتى فى حق المؤمنين فيكون فى حيز التعليل لخلودهم فى النار أو شرهم مقاما ومصيرا فيكون تأكيدا لفظاعة حالهم وقرىء بالهمزة على الأصل (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) بيان لمحاسن أحوال المؤمنين إثر بيان سوء* حال الكفرة جريا على السنة القرآنية من شفع الترهيب بالترغيب (أُولئِكَ) المنعوتون بما هو فى* القاصية من الشرف والفضيلة من الإيمان والطاعة (هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) وقرىء خيار البرية وهو جمع خير نحو جيد وجياد.