تعالى (الَّذِينَ أَسْلَمُوا) صفة أجريث على النبيين على سبيل المدح دون التخصيص والتوضيح لكن لا* للقصد إلى مدحهم بذلك حقيقة فإن النبوة أعظم من الإسلام قطعا فيكون وصفهم به بعد وصفهم بها تنزلا من الأعلى إلى الأدنى بل لتنويه شأن الصفة فإن إبراز وصف فى معرض مدح العظماء منبىء عن عظم قدر الوصف لا محالة كما فى وصف الأنبياء بالصلاح ووصف الملائكة بالإيمان عليهمالسلام ولذلك قيل أوصاف الأشراف أشراف الأوصاف وفيه رفع لشأن المسلمين وتعريض باليهود وأنهم بمعزل من الإسلام والاقتداء بدين الأنبياء عليهمالسلام لا سيما مع ملاحظة ما وصفوا به فى قوله تعالى (لِلَّذِينَ هادُوا) وهو متعلق بيحكم أى يحكمون فيما بينهم واللام إما لبيان اختصاص الحكم بهم أعم من* أن يكون لهم أو عليهم كأنه قيل لأجل الذين هادوا وإما للإيذان بنفعه للمحكوم عليه أيضا بإسقاط النبعة عنه وإما للإشعار بكمال رضاهم به وانقيادهم له كأنه أمر نافع لكلا الفريقين ففيه تعريض بالمحرفين وقيل التقدير للذين هادوا وعليهم فحذف ما حذف لدلالة ما ذكر عليه وقيل هو متعلق بأنزلنا وقيل بهدى ونور وفيه فصل بين المصدر ومعموله وقيل متعلق بمحذوف وقع صفة لهما أى هدى ونور كائنان للذين هادوا (وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ) أى الزهاد والعلماء من ولد هرون الذين التزموا طريقة النبيين* وجانبوا دين اليهود وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما الربانيون الذين يسوسون الناس بالعلم ويربونهم بصغاره قبل كباره والأحبارهم الفقهاء واحده حبر بالفتح والكسر والثانى أفصح وهو رأى الفراء مأخوذ من التحبير والتحسين فإنهم يحبرون العلم ويزينونه ويبينونه وهو عطف على النبيون أى هم أيضا يحكمون بأحكامها وتوسيط المحكوم لهم بين المعطوفين للإيذان بأن الأصل فى الحكم بها وحمل الناس على ما فيها هم النبيون وإنما الربانيون والأحبار خلفاء ونواب لهم فى ذلك كما ينبىء عنه قوله تعالى (بِمَا اسْتُحْفِظُوا) أى بالذى استحفظوه من جهة النبيين وهو التوراة حيث سألوهم أن يحفظوها من التغيير والتبديل على الإطلاق ولا ريب فى أن ذلك منهم عليهمالسلام استخلاف لهم فى إجراء أحكامها من غير إخلال بشىء منها وفى إبهامها أولا ثم بيانها ثانيا بقوله تعالى (مِنْ كِتابِ اللهِ) من تفخيمها وإجلالها* ذاتا وإضافة وتأكيد إيجاب حفظها والعمل بما فيها ما لا يخفى وإيرادها بعنوان الكتاب للإيماء إلى إيجاب حفظها عن التغيير من جهة الكتابة والباء الداخلة على الموصول متعلقة بيحكم لكن لا على أنها صلة له كالتى فى قوله تعالى (بِهَا) ليلزم تعلق حرفى جر متحدى المعنى بفعل واحد بل على أنها سببية أى ويحكم الربانيون والأحبار أيضا بسبب ما حفظوه من كتاب الله حسبما وصاهم به أنبياؤهم وسألوهم أن يحفظوه وليس المراد بسببيته لحكمهم ذلك سببيته من حيث الذات بل من حيث كونه محظوظا فإن تعليق حكمهم بالموصول مشعر بسببية الحفظ المترتب لا محالة على ما فى حيز الصلة من الاستحفاط له وقيل الباء صلة لفعل مقدر معطوف على قوله تعالى (يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ) عطف جملة على جملة أى ويحكم الربانيون والأحبار بحكم كتاب الله الذى سألهم أنبياؤهم أن يحفظوه من التغيير (وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ) أى رقباء يحمونه من أن يحوم حوله* التغيير والتبديل بوحه من الوجوه فتغيير الأسلوب لما ذكر من المزايا وقيل (بِمَا اسْتُحْفِظُوا) بدل من