(وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٢٦) وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٢٧)
____________________________________
التكذيب والمكابرة إلى أنهم إذا جاءوك مجادلين لك لا يكتفون بمجرد عدم الإيمان بما سمعوا من الآيات* الكريمة بل يقولون (إِنْ هذا) أى ما هذا (إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) فإن عد أحسن الحديث وأصدقه الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه من قبيل الأباطيل والخرافات رتبة من الكفر لا غاية وراءها ويجوز أن تكون حتى جارة وإذا ظرفية بمعنى وقت مجيئهم ويجادلونك حال كما سبق وقوله تعالى (يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا) الخ تفسير للمجادلة والأساطير جمع أسطورة أو أسطارة أو جمع أسطار وهو جمع سطر بالتحريك وأصل الكل السطر بمعنى الخط (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ) الضمير المرفوع للمذكورين والمجرور للقرآن أى لا يقنعون بما ذكر من تكذيبه وعده من قبيل الأساطير بل ينهون الناس عن استماعه لئلا يقفوا على* حقيته فيؤمنوا به (وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ) أى يتباعدون عنه بأنفسهم إظهارا لغاية نفورهم عنه وتأكيدا لنهيهم عنه فإن اجتناب الناهى عن المنهى عنه من متممات النهى ولعل ذلك هو السر فى تأخير النأى عن النهى وقيل الضمير المجرور للنبى صلىاللهعليهوسلم وقيل المرفوع لأبى طالب ولعل جمعيته باعتبار استتباعه لاتباعه فإنه كان ينهى قريشا عن التعرض لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وينأى عنه فلا يؤمن به وروى أنهم اجتمعوا إليه وأرادوا برسول الله صلىاللهعليهوسلم سوءا فقال[والله لن يصلوا إليك بجمعهم * حتى أوسد فى التراب دفينا] *[فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة * وأبشر بذاك وقر منه عيونا] * [ودعوتنى وزعمت أنك ناصحى * ولقد صدقت وكنت ثم أمينا] *[وعرضت دينا لا محالة أنه * من خير أديان البرية دينا] *[لو لا الملامة أو حذارى سبة * لوجدتنى سمحا بذاك مبينا]* فنزلت (وَإِنْ يُهْلِكُونَ) أى ما يهلكون بما فعلوا من النهى والنأى (إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) بتعريضها لأشد العذاب وأفظعه عاجلا وآجلا وهو عذاب الضلال والإضلال* وقوله تعالى (وَما يَشْعُرُونَ) حال من ضمير يهلكون أى يقصرون الإهلاك على أنفسهم والحال أنهم ما يشعرون أى لا بإهلاكهم أنفسهم ولا باقتصار ذلك عليها من غير أن يضروا بذلك شيئا من القرآن والرسول صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين وإنما عبر عنه بالإهلاك مع أن المنفى عن غيرهم مطلق الضرر إذ غاية ما يؤدى إليه ما فعلوا من القدح فى القرآن الكريم الممانعة فى تمشى أحكامه وظهور أمر الدين للإيذان بأن ما يحيق بهم هو الهلاك لا الضرر المطلق على أن مقصدهم لم يكن مطلق الممانعة فيما ذكر بل كانوا يبغون الغوائل لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وللمؤمنين ويجوز أن يكون الإهلاك معتبرا بالنسبة إلى الذين يضلونهم بالنهى فقصره على أنفسهم حينئذ مع شموله للفريقين مبنى على تنزيل عذاب الضلال عند عذاب الإضلال منزلة العدم (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ) شروع فى حكاية ما سيصدر عنهم يوم القيامة من القول المناقض لما صدر عنهم فى الدنيا من القبائح المحكية مع كونه كذبا فى نفسه والخطاب إما لرسول الله صلىاللهعليهوسلم أو لكل أحد