لقد علم قومى أنا ما أحببت الباطل شابا ولا كهلا ، ولكن والله إنّى لمستبشر بما نحن لاقون ، والله إن بيننا وبين الحور العين إلا أن يميل هؤلاء علينا بأسيافهم ، ولوددت أنّهم قد مالوا علينا بأسيافهم. قال : فلمّا فرغ الحسين دخلنا فاطّلينا ؛ قال : ثمّ إنّ الحسين ركب دابّته ودعا بمصحف فوضعه أمامه ، قال : فاقتتل أصحابه بين يديه قتالا شديدا ، فلمّا رأيت القوم قد صرعوا أفلت وتركتهم (١).
١٨ ـ عنه قال أبو مخنف : عن بعض أصحابه ، عن أبى خالد الكابلى ، قال : لما صبّحت الخيل الحسين رفع الحسين يديه ، فقال : اللهمّ أنت ثقتى فى كلّ كرب ، ورجائى فى كلّ شدّة ، وأنت لى فى كلّ أمر نزل بى ثقة وعدّة ، كم من همّ يضعف فيه الفؤاد ، وتقلّ فيه الحيلة ، ويخذل فيه الصديق ، ويشمت فيه العدوّ ، أنزله بك ، وشكوته إليك ، رغبة منى إليك عمّن سواك ، ففرّجته وكشفته ، فأنت ولىّ كلّ نعمة ، وصاحب كلّ حسنة ، ومنتهى كلّ رغبة (٢).
١٩ ـ عنه قال أبو مخنف : فحدّثنى عبد الله بن عاصم ، قال : حدّثنى الضحّاك المشرقى ، قال : لما أقبلوا نحونا فنظروا إلى النار تضطرم فى الحطب والقصب ، الذي كنّا ألهبنا فيه النار من ورائنا ، لئلّا يأتونا من خلفنا ، إذ أقبل إلينا منهم رجل يركض على فرس كامل الأداة ، فلم يكلّمنا حتّى مرّ على أبياتنا ، فنظر إلى أبياتنا فاذا هو لا يرى إلّا حطبا تلتهب النار فيه ، فرجع راجعا ، فنادى بأعلى صوته ، يا حسين ، استعجلت النار فى الدنيا قبل يوم القيامة.
فقال الحسين : من هذا؟ كأنّه شمر بن ذى الجوشن! فقالوا : نعم ، أصلحك الله هو هو ، فقال : يا ابن راعية المعزى ، أنت أولى بها صليّا ، فقال له مسلم بن عوسجة : يا ابن رسول الله ، جعلت فداك! ألّا أرميه بسهم! فإنّه قد أمكننى ، وليس يسقط :
__________________
(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٢٢.
(٢) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٢٣.