منّى سهم ، فالفاسق من أعظم الجبّارين ؛ فقال له الحسين : لا ترمه ، فإنّى أكره أن أبدأهم ، وكان مع الحسين فرس له يدعى لاحقا حمل عليه ابنه علىّ بن الحسين.
قال : فلمّا دنا منه القوم عاد براحلته فركبها ، ثمّ نادى بأعلى صوته يسمع جلّ الناس: أيّها الناس ، اسمعوا قولى ، ولا تعجلونى حتّى أعظكم بما الحقّ لكم علىّ ، وحتّى أعتذر إليكم من مقدمى عليكم ، فان قبلتم عذرى ، وصدّقتم قولى ، وأعطيتمونى النّصف ، كنتم بذلك أسعد ، ولم يكن لكم علىّ سبيل ، وإن لم تقبلوا منّى العذر ، ولم تعطوا النصف من أنفسكم (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ ، إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ).
قال : فلمّا سمع أخواته كلامه هذا صحن وبكين ، وبكى بناته فارتفعت أصواتهنّ ، فأرسل إليهنّ أخاه العبّاس بن على وعليّا ابنه ، وقال لهما : أسكتاهنّ ، فلعمرى ليكثرنّ بكاؤهنّ ، قال : فلمّا ذهبا ليسكتاهنّ قال : لا يبعد ابن عبّاس ، قال : فظنّنا أنّه إنّما قالها حين سمع بكاؤهنّ ، لأنّه قد كان نهاه أن يخرج بهنّ ، فلمّا سكتن حمد الله وأثنى عليه ، وذكر الله بما هو أهله ، وصلّى على محمّد صلى الله عليه وعلى ملائكته وأنبيائه ، فذكر من ذلك ما الله أعلم وما لا يحصى ذكره.
قال : فو الله ما سمعت متكلّما قطّ قبله ولا بعده أبلغ فى منطق منه ، ثمّ قال : أمّا بعد ، فانسبونى فانظروا من أنا ، ثمّ ارجعوا الى أنفسكم وعاتبوها ، فانظروا ، هل يحلّ لكم قتلى وانتهاك حرمتى؟ ألست ابن بنت نبيّكم صلىاللهعليهوآله وابن وصيّه وابن عمّه وأوّل المؤمنين بالله والمصدّق لرسوله بما جاء به من عند ربّه! أو ليس حمزة سيّد الشهداء عمّ أبى! أو ليس جعفر الشهيد الطيّار ذو الجناحين عمّى! أو لم يبلغكم قول مستفيض فيكم : إنّ رسول الله صلّى الله تعالى عليه وآله قال لى ولأخى : «هذان سيّدا شباب أهل الجنّة».