وذكرت وفاة النبي (ص) ، وتنازع المسلمين من بعده ، فرأيتك صرحت بتهمة أبي بكر الصديق ، وعمر الفاروق ، وأبي عبيدة الأمين ، وحواري الرسول (ص) ، وصلحاء المهاجرين والأنصار ، فكرهت ذلك لك ، فإنك امرؤ عندنا وعند الناس غير ظنين ، ولا المسيء ولا اللئيم ، وأنا أحب لك القول السديد والذكر الجميل.
إن هذه الأمة لما اختلفت بعد نبيها لم تجهل فضلكم ، ولا سابقتكم ولا قرابتكم من النبي (ص) ، ولا مكانتكم في الإسلام وأهله ، فرأت الأمة أن تخرج من هذا الأمر لقريش لمكانها من نبيها ، ورأى صلحاء الناس من قريش والأنصار وغيرهم من سائر الناس وعامتهم أن يولوا هذا الأمر من قريش أقدمها إسلاما وأعلمها بالله وأحبها له وأقواها على أمر الله ، واختاروا أبا بكر ، وكان ذلك رأي ذوي الحجى والدين والفضيلة والناظرين للأمة ، فأوقع ذلك في صدوركم لهم التهمة ، ولم يكونوا بمتهمين ، ولا فيما أتوا بمخطئين ، ولو رأى المسلمون فيكم من يغني غناءه أو يقوم مقامه ، أو يذب عن حريم المسلمين ذبه ، ما عدلوا بذلك الأمر إلى غيره رغبة عنه ، ولكنهم عملوا في ذلك بما رأوه صلاحا للإسلام وأهله ، فالله يجزيهم عن الإسلام وأهله خيرا.
وقد فهمت الذي دعوتني إليه من الصلح ، والحال فيما بيني وبينك اليوم مثل الحال التي كنتم عليها أنتم وأبو بكر بعد النبي (ص) ، ولو علمت أنك أضبط مني للرعية ، وأحوط على هذه الأمة ، وأحسن سياسة ، وأقوى على جمع الأموال وأكيد للعدو ، لأجبتك إلى ما دعوتني إليه ، ورأيتك لذلك أهلا ، ولكني قد علمت أني أطول منك ولاية ، وأقدم منك لهذه الأمة تجربة ، وأكثر منك سياسة ، وأكبر منك سنا ، فأنت أحق أن تجيبني إلى هذه المنزلة التي سألتني ، فأدخل في طاعتي ولك الأمر من بعدي ، ولك ما في بيت مال العراق من مال بالغا ما بلغ تحمله إلى حيث أحببت ولك خراج أي كور العراق شئت ، معونة لك على نفقتك ، يجيبها لك أمينك ، ويحملها إليك في كل سنة ، ولك ألا يستولى عليك بالإساءة ولا تقضي دونك الأمور ، ولا تعصى في أمر أردت به طاعة الله عز وجل ، أعاننا الله وإيّاك على طاعته إنه سميع مجيب الدعاء ، والسلام.