ثم ارسل عينيه فبكى ، وودّع الحسين ، وانصرف. ومضى الحسين لوجهه ، ولقى ابن عباس بعد خروجه عبد الله بن الزبير فقال له :
يا لك من قبّرة بمعمر |
|
خلا لك الجوّ فبيضي واصفري |
ونقّري ما شئت أن تنقّري |
|
هذا الحسين خارجا فاستبشري (١) |
فقال : قد خرج الحسين وخلت لك الحجاز.
قال أبو مخنف في حديثه خاصة عن رجاله :
إن عبيد الله بن زياد وجه الحر بن يزيد ليأخذ الطريق على الحسين ، فلما صار في بعض الطريق لقيه أعرابيان من بني أسد ، فسألهما عن الخبر ، فقالا له : يا ابن رسول الله ، إن قلوب الناس معك ، وسيوفهم عليك ، فارجع ، وأخبراه بقتل ابن عقيل وأصحابه ، فاسترجع الحسين ، فقال له بنو عقيل : لا نرجع والله أبدا أو ندرك ثأرنا أو نقتل بأجمعنا ، فقال لمن كان لحق به من الأعراب : من كان منكم يريد الإنصراف عنّا فهو في حلّ من بيعتنا. فانصرفوا عنه ، وبقي في أهل بيته ، ونفر من أصحابه (٢).
ومضى حتى دنا من الحرّ بن يزيد ، فلما عاين أصحابه العسكر من بعيد كبّروا ، فقال لهم الحسين : ما هذا التكبير؟ قالوا : رأينا النخل ، فقال بعض أصحابه : ما بهذا الموضع والله نخل ، ولا أحسبكم ترون إلّا هوادي الخيل وأطراف الرماح ، فقال الحسين : وأنا والله أرى ذلك ؛ فمضوا لوجوههم ، ولحقهم الحرّ بن يزيد في أصحابه ، فقال للحسين : إني أمرت أن أنزلك في أيّ موضع لقيتك وأجعجع بك ، ولا أتركك أن تزول من مكانك (٣).
قال : إذا أقاتلك ، فاحذر أن تشقى بقتلي ثكلتك أمك. فقال : [أما والله لو غيرك من العرب يقولها وهو على مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر أمه بالثكل أن أقوله كائنا من كان ، ولكن والله ما لي إلى ذكر أمك من سبيل إلّا
__________________
(١) ابن الأثير ٤ / ١٧ ومقتل الحسين ٤١ والطبري ٦ / ٢١٧ وابن عساكر ٤ / ٣٣١.
(٢) في الأثير ٤ / ١٩ «وإنما فعل ذلك لأنه علم أن الأعراب ظنوا أنه يأتي بلدا قد استقامت له طاعة أهله فأراد أن يعلموا ما يقدمون عليه».
(٣) كذا في الخطية وفي ط وق «ولا أثر كان أن تزول من حكايات».