عبيد الله ـ وهو لا يفطن ـ : ما شأنه ، أترونه يهجر؟ فقال له هانئ : نعم ـ أصلحك الله ـ ما زال هكذا قبل غيابة الشمس إلى ساعتك هذه.
ثم قام وانصرف. فخرج مسلم فقال له شريك : ما منعك من قتله؟ فقال : خصلتان ، أما إحداهما فكراهية هانئ أن يقتل في داره ، [وأما] الأخرى فحديث حدّثنيه الناس عن النبي (ص) : «إن الإيمان قيّد الفتك فلا يفتك مؤمن» ؛ فقال له شريك : أما والله لو قتلته لقتلت فاسقا فاجرا ، كافرا غادرا.
قال : فأقبل ذلك الرجل الذي وجّهه عبيد الله بالمال يختلف إليهم ، فهو أول داخل وآخر خارج يسمع أخبارهم ، ويعلم أسرارهم ، وينطلق بها حتى يقرها في أذن ابن زياد.
قال : فقال المدائني ، عن أبي مخنف ، عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق ، عن عثمان بن أبي زرعة قال : فقال ابن زياد يوما : ما يمنع هانئا منّا؟ فلقيه ابن الأشعث ، وأسماء بن خارجة فقالا له : ما يمنعك من إتيان الأمير وقد ذكرك؟ قال : فأتاه فقال ابن زياد ـ لعنه الله ـ شعرا :
أريد حياته ويريد قتلي |
|
عذيرك من خليلك من مراد (١) |
يا هانئ ، أسلمت (٢) على ابن عقيل؟ قال : ما فعلت ، فدعا معقلا فقال : أتعرف هذا؟ قال : نعم وأصدقك ما علمت به حتى رأيته في داري ، وأنا أطلب إليه أن يتحوّل. قال : لا تفارقني حتى تأتيني به ، فأغلظ له ، فضرب وجهه بالقضيب وحبسه (٣).
وقال عمر بن سعد : عن أبي مخنف ، قال : حدّثني الحجاج بن علي الهمداني قال(٤):
لما ضرب عبيد الله هانئا وحبسه ، خشي أن يثب الناس به ، فخرج فصعد
__________________
(١) ابن الأثير ٤ / ١٢ والفخري ٩٠ وفي الطبري ٦ / ٢٠٥ «أريد حياءه».
(٢) في ط وق «اشتملت».
(٣) راجع تفصيل ذلك في الإرشاد ١٨٨ وابن الأثير ٤ / ١٢ والطبري ٦ / ٢٠٥.
(٤) الإرشاد ١٩٠ وابن الأثير ٤ / ١٣ والطبري ٦ / ٢٠٧.