إليه فقال له : يا عبد الله إني امرؤ من أهل الشام مولى لذي الكلاع ، أنعم الله عليّ بحب أهل البيت وحب من أحبهم ، وهذه ثلاثة آلاف درهم معي أردت بها لقاء رجل منهم بلغني أنه قدم الكوفة يبايع لابن بنت رسول الله (ص) وكنت أحب لقاءه لأعرف مكانه ، فسمعت نفرا من المسلمين يقولون : هذا رجل له علم بأمر أهل هذا البيت ، وإني أتيتك لتقبض مني هذا المال ، وتدلّني على صاحبي فأبايعه (١) فقال له : أحمد الله على لقائك فقد سرني حبك إيّاهم وبنصرة الله إيّاك حق أهل بيت نبيه (ص) ، ولقد ساءني معرفة الناس إيّاي بهذا الأمر قبل أن يتمّ مخافة سطوة هذا الطاغية الجبار أن يأخذ البيعة قبل أن يبرح ، وأخذ عليه المواثيق الغليظة ليناصحن وليكتمن ، فأعطاه من ذلك ما رضى به ، ثم قال له : اختلف إليّ أياما في منزلي ، فأنا أطلب لك الإذن على صاحبك وأخذ يختلف مع الناس يطلب ذلك إليه.
ومرض شريك بن الأعور (٢) ، وكان كريما على ابن زياد ، وكان شديد التشيّع فأرسل إليه عبيد الله إني رائح إليك العشيّة فعائدك. فقال شريك لمسلم : إن هذا الفاجر عائدي العشية ، فإذا جلس فاقتله ، ثم اقعد في القصر ، وليس أحد يحول بينك وبينه ، فإن أنا برأت من وجعي من أيامي هذه سرت إلى البصرة وكفيتك أمرها فلما كان العشي أقبل ابن زياد لعيادة شريك بن الأعور ، فقال لمسلم : لا يفوتنّك الرّجل إذا جلس ، فقام إليه هانئ فقال : إني لا أحب أن يقتل في داري كأنه استقبح ذلك ، فجاءه عبيد الله بن زياد فدخل وجلس وسأل شريكا : ما الذي تجد ومتى اشتكيت؟ فلما طال سؤاله إيّاه ، ورأى أن أحدا لا يخرج ، خشي أن يفوته. فأقبل يقول :
ما الانتظار بسلمى أن تحيّوها |
|
حيوا سليمى وحيّوا من يحييها |
كأس المنية بالتعجيل فاسقوها
لله أبوك! اسقنيها وإن كانت فيها نفسي. قال ذلك مرتين أو ثلاثة ؛ فقال
__________________
(١) كذا في الأصول وفي ابن الأثير «فأبايعه وإن شئت أخذت بيعتي له قبل لقائي إيّاه».
(٢) مقتل الحسين ٢٦.