لسلوك طريق التفكر والتدبر والتعقل والتأمل بكل أبعاد وآثار وآفاق هذا الكون الرحيب ، جاعلة من ذلك الأمر عبادة خاصة وعالية الشأن لذوي الإيمان المطلق من أولي الألباب :
(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ) [آل عمران : ١٩٠].
ولهذه المحطات التي تأسر لب الواقف على جسر العبور إلى الحقيقة والتي استطاع الإنسان حتى يومنا هذا سبر بعض من أغوارها المرئية أو المحسوسة أو المعقولة ، مظاهر ومشاهد زاهية زاهرة باهرة تشد الأبصار والعقول والقلوب والأنفس والأرواح إلى عوالم لا متناهية ولا حدود لها من الجمال والبهاء والروعة.
المحطة الأولى : الوحدة المتجانسة والتماثل الشمولي :
قال الله جل وعلا في سورة الملك ، في الآيتين ٣ و ٤ : (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ (٣) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ) (٤).
يتميز الكون بوحدة متكاملة متجانسة وبتوحد خصائصه المترابطة كما يتمتع بصفات متماثلة وشاملة ، فالمجرات تنتشر بصورة متجانسة من دون تجمعات في أماكن محددة دون غيرها ، وهي متناسقة في حركاتها ومتماثلة في خواصها وتنطبق عليها نفس السنن والقوانين والمبادئ الشاملة التي يخضع لها الكون ، وهي تشهد بذلك بكل أجزائها الموحدة وبكلها المتجانس المتماثل على وجود خالق واحد ورب واحد ومدبر واحد.