الثانية ، وصف شأنه ، وعدله. ثم علم المؤمنين أن يدعوه بما يناسب مقامهم ، وجلاله. قال تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها.) أي : لا يكلف الله أحدا فوق طاقته. وهذا من لطفه تعالى بخلقه ، ورأفته بهم ، وإحسانه إليهم. فتكليفه لا يكون إلا ضمن القدرة ، والطاقة بما يتيسر على الإنسان فعله ، دون مدى غاية الطاقة والمجهود وهذا النص هو المبين ، أو الناسخ لقوله تعالى : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ.) كما رأينا. أي : هو ـ جل جلاله ـ وإن حاسب ، وسأل ، ولكن ـ لا يعذب إلا بما يملك الشخص دفعه. فأما ما لا يملك الإنسان دفعه من وسوسة النفس ، والشيطان ، وحديثهما ، فهذا لا يكلف به الإنسان. ولكنه يكلف برد ذلك ، وعدم قبوله ، وكراهيته. وهذا ضمن وسعه. والصلة بين هذا النص ، وما قبله ، واضحة. فالمؤمنون قاموا بحق ربهم. وربهم لم يكلفهم إلا ضمن طاقتهم. فلم يقوموا بحق الله لو لا لطفه بهم. ولو شاء لأعنتهم. ولكنه رحيم ، لطيف. ثم بين الله عزوجل عدله في معاملة أنفس عباده ، فقال : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) أي : لها ما كسبت من خير. وعليها ما اكتسبت من شر. وذلك في الأعمال التي تدخل تحت التكليف. وإذ بين الله عزوجل لطفه ، وعدله ، أرشد عباده إلى سؤاله. وتكفل لهم بالإجابة. فعلمهم أن يقولوا : (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا.) أي : لا تؤاخذنا إن تركنا فرضا أو أمرا على جهة السهو أو النسيان. أو أخطأنا الصواب في العمل جهلا منا ، أو من غير قصد منا ووقعنا في محظور.
(رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا.) الإصر : هو العبء يأصر صاحبه. أي : يحبسه في مكانه لثقله. فصار المعنى : لا تكلفنا من الأعمال الشاقة وإن طقناها كما شرعته للأمم الماضية قبلنا ، من الأغلال ، والآصار التي كانت عليهم.
(رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ.) أي : من التكاليف ، والمصائب ، والبلاء. لا تبتلنا بما لا قبل لنا به.
(وَاعْفُ عَنَّا.) أي : امح سيئاتنا بيننا وبينك ، ومما تعلمه من تقصيرنا وزللنا (وَاغْفِرْ لَنا.) أي : واستر ذنوبنا فيما بيننا وبين عبادك. فلا تظهرهم على مساوينا وأعمالنا القبيحة. (وَارْحَمْنا.) بأن توفقنا فيما يستقبل فلا توقعنا بذنب آخر. وارحمنا بأن تثقل ميزاننا مع إفلاسنا. ولهذا قالوا : إن المذنب محتاج إلى ثلاثة أشياء : أن يعفو الله عنه فيما بينه وبينه ، وأن يستره عن عباده فلا يفضحه به بينهم.