الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ.) الإملال والإملاء بمعنى واحد. أي : ولا يكن المملي إلا من وجب عليه الحق. لأنه هو المشهود على ثباته في ذمته ، وإقراره به. فيكون ذلك إقرارا على نفسه بلسانه. (وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ.) أي : وليتق ـ الذي عليه الدين ـ الله. فلا يمتنع عن الإملاء. فيكون جحودا لحق الآخرين. (وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً) : أي : ولا ينقص من الحق الذي عليه شيئا في الإملاء ، فيكون جحودا لبعض الحق (فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ) : السفيه هنا هو المجنون .. لأن السفه خفة في العقل ، أو المحجور عليه ، لتبذيره وجهله بالتصرف. والضعيف هنا هو الصغير. وغير المستطيع هنا هو العاجز عن الإملاء ، إما لعي ، أو خرس ، أو جهل باللغة. فإن كان الذي عليه الحق واحدا من هؤلاء (فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ.) أي : فليمل الذي يلى أمره ، ويقوم به بالصدق والحق. (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ.) أي : واطلبوا أن يشهد لكم على الدين شهيدين من المسلمين ، والحرية والبلوغ شرطان مع الإسلام. وشهادة الكفار بعضهم على بعض مقبولة. (فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ.) أي فإن لم يكن الشهيدان رجلين ، فليشهد رجل وامرأتان. قال الحنفية : وشهادة الرجال مع النساء تقبل ، فيما عدا الحدود ، والقصاص. (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ.) أي : ممن تعرفون عدالتهم. (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) : هذا بيان لحكمة كون المرأتين في باب الشهادة هنا برجل. والمعنى : وذلك من أجل أنه إذا نسيت إحداهما الشهادة ذكرتها الأخرى :
يقول صاحب الظلال :
«أنه لا بد من شاهدين على العقد (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) والرضى يشمل معنيين :
الأول : أن يكون الشاهدان عدلين مرضيين في الجماعة. والثاني : أن يرضى بشهادتهما طرفا التعاقد .. ولكن ظروفا معينة قد لا تجعل وجود شاهدين أمرا ميسورا. فهنا ييسر التشريع فيستدعي النساء للشهادة ، وهو إنما دعا الرجال لأنهم الذين يزاولون الأعمال عادة في المجتمع المسلم السوي ، الذي لا تحتاج المرأة فيه أن تعمل لتعيش ، فتجور بذلك على أمومتها وأنوثتها وواجبها في رعاية أثمن الأرصدة الإنسانية وهي الطفولة الناشئة الممثلة لجيل المستقبل ، في مقابل لقيمات أو دريهمات تنالها من العمل ، كما تضطر إلى ذلك المرأة في المجتمع النكد المنحرف الذي نعيش فيه اليوم ؛ فأما حين