تتدخل القوانين الوضعية أحيانا في الحد من حريته هذه ـ جزئيا ـ في تحديد سعر الفائدة مثلا ، وفي منع أنواع من الاحتيال والنصب والغصب والنهب والغش والضرر. ولكن هذا التدخل يعود إلى ما يتواضع عليه الناس أنفسهم ، وما تقودهم إليه أهواؤهم ، لا إلى مبدأ ثابت مفروض من سلطة إلهية!
كذلك يقوم على أساس تصور خاطىء فاسد. هو أن الغايات للوجود الإنساني هي تحصيله للمال ـ بأية وسيلة ـ واستمتاعه به على النحو الذي يهوى! ومن ثم يتكالب على جمع المال وعلى المتاع به ، ويدوس في الطريق كل مبدأ وكل صالح للآخرين!!
ثم ينشىء في النهاية نظاما يسحق البشرية سحقا ، ويشقيها في حياتها أفرادا وجماعات ودولا وشعوبا ، لمصلحة حفنة من المرابين ، ويحطمها أخلاقيا ونفسيا وعصبيا ، ويحدث الخلل في دورة المال ، ونمو الاقتصاد البشري نموا سويا .. وينتهي ـ كما انتهى في العصر الحديث ـ إلى تركيز السلطة الحقيقة والنفوذ العملي على البشرية كلها في أيدي زمرة من أحط خلق الله ، وأشدهم شرا ، وشرذمة ممن لا يرعون في البشرية إلا ولا ذمة ، ولا يراقبون فيها عهدا ولا حرمة .. وهؤلاءهم الذين يداينون الناس أفرادا ، كما يداينون الحكومات والشعوب ـ في داخل بلادهم وفي خارجها ـ وترجع إليهم الحصيلة لجهد البشرية كلها ، وكد الآدميين وعرقهم ودمائهم ، في صورة فوائد ربوية لم يبذلوا هم فيها جهدا. وهم لا يملكون المال وحده .. إنما يملكون النفوذ .. ولما لم تكن لهم مبادىء ، ولا أخلاق ، ولا تصور ديني وأخلاقي على الإطلاق ، بل لما كانوا يسخرون من حكاية الأديان ، والأخلاق ، والمثل والمبادىء ، فإنهم بطبيعة الحال يستخدمون هذا النفوذ الهائل الذي يملكون في إنشاء الأوضاع والأفكار والمشروعات التي تمكنهم من زيادة الاستغلال ، ولا تقف في طريق جشعهم وخسة أهدافهم .. وأقرب الوسائل هي تحطيم الأخلاق البشرية ، وإسقاطها في مستنقع آسن من اللذائذ والشهوات ، التي يدفع الكثيرون آخر فلس يملكونه ، حيث تسقط الفلوس في المصائد والشباك المنصوبة! وذلك مع التحكم في جريان الاقتصاد العالمي وفق مصالحهم المحدودة ، مهما أدى هذا إلى الأزمات الدورية المعروفة في عالم الاقتصاد ، وإلى انحراف