إبراهيم إذ قال (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي») قال ابن كثير : فليس المراد ههنا بالشك ما قد يفهمه من لا علم عنده بلا خلاف. قال الخطابي : ليس في قوله : نحن أحق بالشك من إبراهيم ، اعتراف بالشك على نفسه ، ولا على إبراهيم. لكن فيه نفي الشك عنهما. يقول : إذا لم أشك أنا في قدرة الله تعالى على إحياء الموتى ، فإبراهيم أولى بأن لا يشك. قال ذلك على سبيل التواضع ، والهضم للنفس.
٢ ـ روى الحاكم وغيره :
«التقى عبد الله بن عباس ، وعبد الله بن عمرو بن العاص. فقال ابن عباس لابن عمرو بن العاص : أي آية في القرآن أرجى عندك : قال عبد الله بن عمرو : قول الله عزوجل : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا ...) الآية. (سورة الزمر) فقال ابن عباس : لكن أنا أقول : قول الله عزوجل : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى.) فرضي من إبراهيم قوله بلى. قال : فهذا لما يعترض في النفوس ، ويوسوس به الشيطان» قال الحاكم صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه.
ثم عاد السياق إلى الإنفاق :
(مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ. الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ.)
بهذه الآيات يعود السياق إلى الإنفاق ، وقد جاءت هذه الآيات بعد آية تحدثت عن قدرة الله على الإحياء ؛ وهذا يذكر بإحيائه الموتى يوم القيامة. ومن قبل رأينا أن الآيات السابقة كانت حديثا عن الله وصفاته ، ورعايته عباده. ثم قبل ذلك كان الأمر بالإنفاق. فكان تسلسل الآيات أمرا بالإنفاق في سبيل الله من قبل أن يأتي يوم القيامة. ثم كان حديثا عن الله وقدرته التي لا يعجزها أن تقيم القيامة. والآن يأتي بيان جزاء الإنفاق في هذه الآيات ، ومن ذا الذي يستحق هذا الجزاء ، مع توجيهات في هذا الشأن.