الكمال هذا وحده دليل على أن هذا الدين ، دين الله. وأن هذا القرآن ، كتابه. ونلاحظ هنا مايلي : بعد أن جاءت آية الكرسي التي هي أجمع آية في كتاب الله لصفاته. وكان فيها هذا البيان الرفيع لشأن الله العظيم. بمثل هذا الإعجاز البالغ جاء قوله تعالى بعدها (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ) فقوله تعالى : (قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ) بعد آية الكرسي ، فيه إشارة عظيمة لما ذكرناه من أن الكلام عن الله بمثل هذا البيان ، والكمال ، دليل وحده ، وحجة كاملة في أن هذا الكتاب كتابه ، وأن هذا الدين دينه.
(اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.)
المعنى العام :
يخبر تعالى أنه يهدي من اتبع رضوانه سبل السلام ، فيخرج عباده المؤمنين من ظلمات الكفر ، والشك ، والريب ، والشهوة ، إلى نور الحق ، الواضح ، الجلي ، المبين ، السهل ، النير. وأن الكافرين ، إنما وليهم الشيطان ، يزين لهم ماهم فيه من الجهالات ، والضلالات ، واتباع الشهوات. ويخرجهم ، ويحيد بهم عن طريق الحق ، إلى الكفر ، والإفك. فجزاؤهم على ذلك : الخلود الأبدي في النار. والملاحظ أنه وحد النور وجمع الظلمات ؛ لأن الحق واحد ، والكفر أجناس كثيرة وكلها باطلة.
المعنى الحرفي :
(اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا) أي : الله يتولى أمور مريدي الإيمان ، يوفقهم ويرعاهم ، وينصرهم. ومن ذلك : (يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) أي : يخرجهم من كل ظلمة إلى نور الإيمان والهداية. وجمعت الظلمات ، لأنها كثيرة : ظلمة الكفر ، وظلمة النفاق ، وظلمة الشهوة ، وظلمة البدعة.
وهذه بشارة لمريدي الإيمان بأن الله يخرجهم من الشبه إن وقعت لهم بما يهديهم ، ويوفقهم له من حلها ، حتى يخرجوا منها إلى نور اليقين. (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) أي : ومريدوا الكفر ، والمصممون عليه ، يتولى أمورهم الشياطين. وكون الطاغوت خبرا لجمع ، فإنه يدل على جمع. فما أكثر شياطين الإنس والجن الذين شأنهم مع هؤلاء المصممين للكفر ، والمريدين له ما أخبر تعالى : (يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى