الآية في المجموعتين السابقتين. بدليل أن كلا من المجموعتين بدىء بتوجيه الخطاب إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ) وهذه الآية يتوجه الخطاب فيها إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم. ولأن في كل من المجموعتين ذكرت خارقة للعادة. ومعنى نتلوها : نقصها. والحق : هو الأمر المطابق للواقع. (وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) : بدليل ما تخبر به من الحق الذي ما كنت لتعرفه ، لو لا أنك رسول من عند الله ، وأن الله يوحي إليك (تِلْكَ الرُّسُلُ) إشارة إلى المرسلين الذين منهم رسول الله محمد صلىاللهعليهوسلم (فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) : بالخصائص ، وراء الرسالة. فهم يستوون في الرسالة ، ويتفاوتون بالفضل كالمؤمنين. يستوون في صفة الإيمان ، ويتفاوتون في الطاعات بعد الإيمان. (مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ) أي : منهم من فضله الله بأن كلمه من غير سفير ، كموسى ، ومحمد صلىاللهعليهوسلم ، وكذلك آدم ، ورد في تكليم الله إياه حديث في صحيح ابن حبان عن أبي ذر. (وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ) أي : ومنهم من رفعه على سائر الأنبياء. فكان بعد تفاوتهم في الفضل ، أفضل منهم بدرجات كثيرة. وهو محمد صلىاللهعليهوسلم إذ إنه مفضل على كافة الرسل ، بإرساله إلى الخلق عامة. وبأنه خاتم النبيين ، وبأنه أوتي ما لم يؤته أحد من الآيات المتكاثرة ، المتزايدة على الدهر. وفي إبهامه ، وعدم ذكره صراحة ، تفخيم ، وبيان أنه العلم الذي لا يشتبه على أحد. والمتميز الذي لا يلتبس صلىاللهعليهوسلم. وقد يكون المراد تفاوت منازلهم عند الله. وقد يكون المراد اختلاف منازلهم الآن ، كما ورد في حديث الإسراء. حيث إن بعضهم في السماء الدنيا ، وبعضهم في الثانية ، وهكذا. والله أعلم. (وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ) أي : الحجج ، والدلائل القاطعات. كإحياء الموتى ، وإبراء الأكمه ، والأبرص ، وغير ذلك. (وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) أي : قويناه بجبريل. (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) أي : ولو شاء الله ما اختلف الذين من بعد الرسل ، فاقتتلوا. والقتال سببه الاختلاف. فذكر في الآية المسبب. فدخل السبب ضمنا. ولذلك فسرنا اقتتلوا باختلفوا (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) أي : من بعد ما جاءتهم المعجزات ، والآيات الواضحات كان المفروض ألا يختلفوا. (وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ) كان المفروض ألا يختلفوا لوضوح الحق ، ولكنهم اختلفوا. ثم بين الاختلاف بأن آمن بعضهم ، وكفر الآخر. (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) أي : لو شئت ألا يقتتلوا لم يقتتلوا. إذ لا يجري في ملكي إلا ما يوافق مشيئتي. ثم أثبت ـ سبحانه ـ الإرادة لنفسه. وأثبت أن إرادته ـ تعالى ـ مطلقة.