معتبرا أن القول الأقوى ، هو في كون اليهود والنصارى ادعوا أن الدين الحق اليهودية والنصرانية ، وبنوا دخول الجنة والاهتداء عليهما ، فجاء الرد عليهم من خلال الحديث عن ربوبيته ، وصلاح أعمالنا وفساد أعمالهم ، وإخلاصنا في العمل له» ومما يمكن أن يقال : إن الله علمنا إلزامهم الحجة من خلال الإخلاص وحده في الآية ، وذلك أنهم مشركون ، وأنهم يعملون رياء وسمعة ، وخضوعا لضغوط اجتماعية وغيرها ، فالله رب الجميع ، ولكل عمله ، ولكنا مخلصون وأنتم غير مخلصين ، فلا تدعوا أن الله لكم ومعكم وأنتم كذلك ، وتكون المحاجة بيننا وبينهم في أن الله معنا أو معهم ، لنا أو لهم ، ومن تأمل لغة اليهود والنصارى حتى الآن ، أدرك أن لغتهم الحديثة ، هي لغتهم القديمة ، في دعوى أن الله لهم ومعهم ، مع أن إيمانهم بالربوبية مخدوش ، وأعمالهم منقوضة ، وإخلاصهم معدوم ؛ لأن الإخلاص عمل لله وبالله ، وفيما شرع الله ، وأنى لهم ذلك كله ، ثم تأتي الآية اللاحقة فتستكمل الحجة :
(أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى) أي : أتحاجوننا في الله ... فأنتم مغلوبون في زعمكم أنكم المهتدون ، (أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ ......... كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى) حتى تنحصر الهداية فيكم فأنتم كاذبون لأن هؤلاء كانوا قبل اليهودية والنصرانية ، والله شهد بأن دينهم الإسلام ، هذا إذا اعتبرنا أن (أم) في هذه الآية معادلة للهمزة الموجودة في الآية السابقة عليها ، وهو اتجاه للمفسرين ، وعلى هذا الاتجاه يكون الاستفهام في الآية السابقة وهذه الآية إنكاريا. قال الألوسي : «والمراد بالاستفهام إنكارهما معا بمعنى : كل من الأمرين منكر ينبغي ألا يكون إقامة الحجة وتدوير البرهان على حقية ما أنتم عليه ـ والحال ما ذكر ـ والتشبث بذيل التقليد والافتراء على الأنبياء عليهمالسلام».
وفائدة هذا الأسلوب ـ مع أن العلم حاصل بثبوت أحد الأمرين ، الإشارة إلى أن أحدهما كاف في الذم ، فكيف إذا اجتمعا ، كما تقول لمن أخطأ تدبيرا ومقالا : «أتدبيرك أم تقريرك». وعلى القول بأن (أم) منقطعة أي بمعنى الهمزة وبل ، يكون التقدير : «بل أتقولون إن إبراهيم وإسماعيل ...» فيكون المعنى أنكم تحاجون في الله من خلال دعواكم أنكم على الهداية ، فأنتم في هذه الدعوى تزعمون أن إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط عليهم الصلاة والسلام ، كانوا هودا أو نصارى ؛ لأنكم تعتقدون هدايتهم ، فذلك زعم منكم أن هؤلاء كانوا على اليهودية أو النصرانية ، وذلك زعم باطل وسنرى في سورة (آل عمران) التي هي تغطية لمعان في