اليهود والنصارى ،
فإذا كان هذا في الكتب المتوارثة فما بال الروايات الشفهية وكلام الكذبة والعامة ،
ولا يعني هذا أننا نرفض كل شىء ورد في الكتب السابقة ، بل يعني هذا أن نكون حذرين
مع عدم إعطاء ما نقبله ـ قوة في تفسير كتاب الله ـ أكثر مما تحتمله ، ولنا عودة
على هذا الموضوع مرة ومرة إذا جاءت مناسبته.
فصل في السحر :
السحر في اللغة :
عبارة عما لطف وخفي سببه ، وهو أنواع ، وكل نوع منه يستند إلى نوع من العلم أو
الفن ، فمن عرف علمه استطاعه ، وهذا هو الفارق بينه وبين المعجزة والكرامة ،
فالمعجزة والكرامة لا دخل لعالم الأسباب فيهما ، بل هما بقدرة الله المباشرة. أما
السحر فمبناه عالم الأسباب ، ولكن قلة من يعرفه تجعله غريبا خارقا ، ومن أنواعه
سحر أصحاب الأوهام والنفوس القوية ، ومنه ما يكون أثرا عن الاستعانة بعالم الجن ،
ومنه ما يكون أثرا عن الخفة والمهارة في التلبيس على العيون والأبصار ، ومنه ما
يكون أثرا عن مهارات في بعض العلوم يظنها الجهلة سحرا وهي ليست سحرا ، ومنه ما
يكون أثرا عن استعمال أدوية أو ألوان ، ومنه ما يكون أثرا عن استغلال ضعف نفسي عند
الآخرين ، ومنه ما يكون تغيرا وقلبا للأشياء عن أعيانها ، وهذه الأنواع تدخل تحت
كلمة السحر لغويا ، أما السحر الذي هو سحر بالاصطلاح الشرعي وهو السحر المحرم :
فهو ما رافقه كفر أو ضرر تلبيس أو استغلال أو كذب أو دعوى.
ومن أقوالهم في
السحر :
قال
القرطبي : وعندنا ـ أي أهل
السنة والجماعة ـ أن السحر حق وله حقيقة يخلق الله عنده ما يشاء خلافا للمعتزلة
وأبي إسحق الإسفراييني من الشافعية حيث قالوا إنه تخييل وتمويه.
وقال
الألوسي : والمراد به أمر
غريب يشبه الخارق وليس به ـ أي بالخارق ـ إذ يجري فيه التعلم ويستعان في تحصيله
بالتقرب إلى الشيطان بارتكاب القبائح قولا كالرقى التي فيها ألفاظ الشرك ومدح
الشيطان وتسخيره ، وعملا كعبادة الكواكب والتزام الجنابة وسائر الفسوق ، واعتقادا
كاستحسان ما يوجب التقرب إليه ومحبته إياه ...
وقال
الألوسي كذلك : «فسره الجمهور
بأنه خارق للعادة ـ في الظاهرة ـ يظهر في نفس شريرة بمباشرة أعمال مخصوصة ،
والجمهور على أن له حقيقة».