إنه على القول بأن (أم) حرف معادل للهمزة في قوله تعالى : «أفتطمعون ..» نرى وحدة الفصل الثاني في هذا المقطع بشكل واضح ، ولكنه اتجاه لم نره في كتب التفسير التي اطلعنا عليها ، ولذلك فنحن نسجله مع ذكر انفرادنا به ولننتقل إلى ما بعد ذلك في الفقرة :
(وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) في هاتين الآيتين شرح حال من أحوال أهل الكتاب بالنسبة لنا ، والموقف المكافىء لذلك ، ومحل هاتين الآيتين في السياق أنهما بمثابة البيان والتفصيل لحكمة النهي عن المتابعة الوارد في قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا) والوارد في قوله تعالى (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ ...) كما أنهما تعليل لعدم الطمع في الإيمان الوارد في قوله تعالى (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ ...) إذ السياق واحد.
قال ابن كثير في تفسير الآيتين :
يحذر تعالى عباده المؤمنين من سلوك طريق الكفار من أهل الكتاب ، ويعلمهم بعداوتهم لهم في الباطن والظاهر ، وما هم مشتملون عليه من الحسد للمؤمنين مع علمهم بفضلهم وفضل نبيهم ، ويأمر عباده المؤمنين بالصفح والعفو أو الاحتمال حتى يأتي أمر الله من النصر والفتح ، ويأمرهم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ويحثهم على ذلك ويرغبهم فيه.
أقول : إن الآيتين فيهما شرح حال ، وإلزام بموقف ..
ـ أما شرح الحال فهو : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ) أي أن يردوكم ، وهل المراد بالكثير هنا العلماء منهم أو العلماء والعامة ، وبالتالي فلا يخرج منهم إلا من آمن سرا. قولان للمفسرين. (مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) هذه علة الرغبة في أن يردونا مرتدين. والحسد هو : الأسف على الخير عند الغير ، والحسد من عند النفس هو الحسد النابع عن شهوة النفس لا من قبل التدين والميل مع الحق ، فحسدهم متبالغ منبعث من أصل أنفسهم (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُ) أي من بعد علمهم بأنكم على الحق ، كانوا يعلمون أن محمدا رسول الله صلىاللهعليهوسلم