ـ يلاحظ أن هذه الأوامر والنواهي جاءت في سياق الخطاب لبني إسرائيل ، ثم يلاحظ أن بقية المقطع كانت إما في تعليل صدور هذه الأوامر والنواهي ، أو في دروس تعطى لهذه الأمة من خلال ذلك بما يعمق ضرورة الالتزام بهذه المعاني جميعا ، ثم يلاحظ من خلال دراسة سورة البقرة ، أن هذه الأوامر والنواهي أحد اثنين إما شىء قد طولبنا به من قبل ، أو شىء سنطالب به فيما بعد :
فمثلا في مقدمة سورة البقرة والمقطعين بعدها عرفنا قضية الإيمان والصلاة والزكاة وعدم نقض الميثاق ، ووصل ما أمر الله به أن يوصل. وعدم الإفساد في الأرض وألا نبيع دين الله بشىء من الدنيا ، وكل ذلك قد جاء بصيغة الأمر والنهي لبني إسرائيل هنا.
وسنرى فيما يأتي في السورة أمرا لنا بالاستعانة بالصبر والصلاة ، وتحذيرا لنا من كتمان شىء مما أنزل الله ، وتعريفا لنا على البر ، وكان ذلك مما صدرت فيه الأوامر والنواهي لبني إسرائيل ، ومن ثم ندرك أن هذا المقطع الذي يتوجه فيه الخطاب لبني إسرائيل هو بمثابة التهييج لنا على تنفيذ ما سبق ، وبمثابة التأسيس لما سنطالب به فيما يأتي من السورة.
ـ كنا قلنا من قبل : إن المقطع الثالث يتألف : من مدخل وفصلين. المدخل وقد رأيناه ، والفصل الأول ينتهي في الآية (٧٤). وهو يتألف من فقرتين الفقرة الأولى : لها صلة بقوله تعالى (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ.) والفقرة الثانية : لها صلة بقوله تعالى : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ.) والفصل الثاني له صلة بقوله تعالى : (وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ* وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ.)
وهكذا نجد أن الفصلين اللاحقين للمدخل في هذا المقطع ، إنما هما بمثابة تعليل لهذه الأوامر والنواهي التي صدرت لبني إسرائيل مع إعطاء الدروس للأمة الإسلامية خلال ذلك لتعرف أن لها الإمامة بحق ، وأن عليها ألا تقع في خطأ السير في طريق المغضوب عليهم والضالين. ولعل القارىء بهذا وبما مر أدرك الصلة بين هذا المقطع وما قبله وما بعده ، ولا زال في هذا الموضوع كلام فلننتقل إلى الفقرة الأولى من الفصل الأول من هذا المقطع.